٦٦) (قالَ
يا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفاهَةٌ وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ) (الأعراف : ٦٧) فكنى عن تكذيبهم بأحسن .
ومنه قوله [تعالى]
: (وَلكِنْ لا
تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا) (البقرة : ٢٣٥)
فكنى عن الجماع بالسر. وفيه لطيفة أخرى ، لأنه يكون من الآدميين في السر غالبا ،
ولا يسرّه ـ ما عدا الآدميين ـ إلا الغراب. فإنه يسّره ؛ ويحكى أن بعض الأدباء
أسرّ إلى [أبي] عليّ الحاتميّ كلاما فقال : «ليكن عندك أخفى [من] سفاد الغراب ، ومن الرّاء في كلام الألثغ» فقال : نعم يا سيدنا ؛ ومن ليلة
القدر ، وعلم الغيب.
ومن عادة القرآن
العظيم الكناية عن الجماع باللّمس والملامسة والرّفث ، والدخول ، والنكاح ،
ونحوهنّ ، قال تعالى : (فَالْآنَ
بَاشِرُوهُنَ) (البقرة : ١٨٧)
فكنى بالمباشرة عن الجماع لما فيه من التقاء البشرتين. وقوله تعالى : (أَوْ
لامَسْتُمُ النِّساءَ) (النساء : ٤٣) إذ
لا يخلو الجماع عن الملامسة. [١٢٥ / أ] وقوله في الكناية عنهنّ : (هُنَّ
لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ) (البقرة : ١٨٧)
واللباس من الملابسة ، وهي الاختلاط والجماع.
وكنى عنهن في موضع
آخر بقوله : (نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ
أَنَّى شِئْتُمْ) (البقرة : ٢٢٣).
وقوله تعالى : (وَراوَدَتْهُ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِها) (يوسف : ٢٣) كناية عمّا تطلب المرأة من الرجل. وقوله [تعالى]
: (فَلَمَّا تَغَشَّاها
حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً) (الأعراف : ١٨٩).
ومنه قوله تعالى
في مريم وابنها : (كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) (المائدة : ٧٥) فكنى بأكل الطعام عن البول والغائط ؛ لأنهما
منه مسبّبان ، إذ لا بدّ للآكل منهما ، لكن استقبح في المخاطب ذكر الغائط ، فكنى به عنه. (فإن قيل) : فقد صرّح به في قوله [تعالى] : (أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ
الْغائِطِ) (المائدة : ٦) (قلنا)
: لأنه جاء على خطاب العرب وما
__________________