أنه هل يجوز في القرآن شيء لا يعلم معناه؟ فعندهم يجوز ، فلهذا منعوا التأويل ، واعتقدوا التنزيه على ما يعلمه الله.
وعندنا لا يجوز ذلك ، بل الراسخون يعلمونه.
(قلت) : وإنما حملهم على التأويل وجوب حمل الكلام على خلاف المفهوم من حقيقته لقيام الأدلة على استحالة المشابهة (١) والجسمية في حق البارئ تعالى ، والخوض في مثل هذه الأمور خطره عظيم ، وليس بين المعقول والمنقول تغاير في الأصول ، بل التغاير إنما يكون (٢) في الألفاظ ، واستعمال المجاز لغة العرب [٨٨ / أ]. وإنما قلنا : لا تغاير بينهما في الأصول [لما علم بالدليل] (٣) أنّ العقل لا يكذّب ما ورد به الشرع ، إذ لا يرد الشرع بما لا يفهمه العقل ، إذ هو دليل الشرع وكونه حقا ، ولو تصوّر كذبه العقل في شيء لتصوّر كذبه في صدق الشرع ، فمن طالت ممارسته للعلوم ، وكثر خوضه في بحورها أمكنه التلفيق بينهما ؛ لكنه لا يخلو من أحد أمرين ، إما تأويل يبعد عن الأفهام ، أو موضع لا يتبين فيه وجه التأويل لقصور الأفهام عن إدراك الحقيقة ، والطمع في تلفيق كلّ ما يرد مستحيل المرام ، والمردّ إلى قوله : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الشورى : ١١).
ونحن نجري في هذا الباب على طريق المؤولين ، حاكين كلامهم.
فمن ذلك صفة الاستواء ، فحكى مقاتل ، والكلبي ، عن ابن عباس أن (اسْتَوى) (طه : ٥) بمعنى [استقر] (٤) ، وهذا إن صحّ يحتاج إلى تأويل ، فإن الاستقرار يشعر بالتجسيم. وعن المعتزلة بمعنى استولى وقهر [وغلب] (٥) ، وردّ بوجهين : (أحدهما) بأنّ الله تعالى مستول على الكونين ، والجنة والنار [وأهلهما] (٦) فأيّ فائدة في تخصيص العرش!
__________________
الشافعي ولد سنة (٤٩٩ ه) وتفقه على الغزالي والشاشي ، كان ذكيا يضرب به المثل لا يكاد يسمع شيئا إلا حفظه ، تصدر للإفادة مدة وصار من أعلام الدين وله كتاب «البسيط» و «الوجيز» وغيرهما ، مات كهلا سنة (٥١٨ ه) (سير أعلام النبلاء ١٩ / ٤٥٦).
(١) كذا في المخطوطة ، وفي المطبوعة (المتشابه).
(٢) في المخطوطة (يقع).
(٣) ليست في المخطوطة.
(٤) ليست في المخطوطة ، وعبارة المخطوطة بعدها : (وهذا وإن صح).
(٥) ليست في المطبوعة.
(٦) ليست في المخطوطة.