الوجه الرابع : أن تكون جوابا مناقضا لـ «نعم» ، وهذه تحذف الجمل بعدها كثيرا ، يقال : «أجاءك زيد» فتقول : «لا» ، والأصل : لا لم يجىء.
والخامس : أن تكون على غير ذلك ، فإن كان ما بعدها جملة اسمية صدرها معرفة أو نكرة ولم تعمل فيها ، أو فعلا ماضيا لفظا وتقديرا ، وجب تكرارها.
مثال المعرفة (لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ) [يس : ٤٠] ، وإنما لم تكرّر في «لا نولك أن تفعل» لأنه بمعنى : لا ينبغي لك ، فحملوه على ما هو بمعناه ، كما فتحوا في «يذر» حملا على «يدع» لأنّهما بمعنى ، ولو لا أن الأصل في «يذر» الكسر لما حذفت الواو كما لم تحذف في يوجل.
ومثال النّكرة التي لم تعمل فيها لا (لا فِيها غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْها يُنْزَفُونَ) (٤٧) [الصافات : ٤٧] ، فالتكرار هنا واجب ، بخلافه في (لا لَغْوٌ فِيها وَلا تَأْثِيمٌ) [الطور : ٢٣].
ومثال الفعل الماضي (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى) (٣١) [القيامة : ٣١] ؛ وفي الحديث «فإنّ المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى» ، وقول الهذلي : «كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ، ولا نطق ولا استهلّ» ؛ وإنما ترك التّكرار في «لا شلّت يداك» ، و «لا فضّ الله فاك» ، وقوله [من الطويل] :
٢٠٣ ـ ألا يا اسلمي يا دار ميّ على البلى |
|
ولا زال منهلّا بجرعائك القطر (١) |
وقوله [من المنسرح] :
٢٠٤ ـ لا بارك الله في الغواني هل |
|
يصبحن إلّا لهنّ مطّلب؟ (٢) |
لأن المراد الدّعاء ، فالفعل مستقبل في المعنى ، ومثله في عدم وجوب التكرار بعدم قصد المضيّ إلا أنه ليس دعاء قولك : «والله لا فعلت كذا» وقول الشاعر [من البسيط] :
٢٠٥ ـ حسب المحبّين في الدّنيا عذابهم |
|
تالله لا عذّبتهم بعدها سقر (٣) |
وشذّ ترك التّكرار في قوله [من الرجز] :
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لذي الرمة في ديوانه ص ٥٩٩ ، وتخليص الشواهد ص ٢٣١ ـ ٢٣٢ والدرر ٢ / ٤٤ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦١٧ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ١ / ٢٣٥ ، وجواهر الأدب ص ٢٩٠.
(٢) البيت من المنسرح ، وهو لعبيد الله بن قيس الرقيات في ديوانه ص ٣ ، والدرر ١ / ١٦٨ ، وشرح شواهد المغني ص ٦٢ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٢ / ٣٣٦.
(٣) البيت من البسيط ، وهو لمؤمل بن أميل في خزانة الأدب ٨ / ٣٣٢ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١٠ / ٨٨.