٢٠٦ ـ لا همّ إنّ الحارث بن جبله |
|
زنى على أبيه ثمّ قتله |
٢٠٧ ـ وكان في جاراته لا عهد له ، |
|
وأيّ أمر سيّىء لا فعله (١) |
زنى : بتخفيف النون ، كذا رواه يعقوب ، وأصله «زنأ» بالهمز بمعنى «ضيّق» ، وروي بتشديدها ، والأصل : زنى بامرأة أبيه ، فحذف المضاف وأناب «على» عن الباء ، وقال أبو خراش الهذلي وهو يطوف بالبيت [من الرجز] :
٢٠٨ ـ إن تغفر اللهمّ تغفر جمّا ، |
|
وأيّ عبد لك لا ألمّا (٢) |
وأما قوله سبحانه وتعالى : (فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) (١١) [البلد : ١١] فإن «لا» مكرّرة في المعنى ؛ لأن المعنى : فلا فكّ رقبة ولا أطعم مسكينا ؛ لأنّ ذلك تفسير للعقبة ، قاله الزمخشري. وقال الزجّاج : إنّما جاز لأن (ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا) [البلد : ١٧] معطوف عليه وداخل في النفي. فكأنه قيل : فلا اقتحم ولا آمن ، انتهى. ولو صحّ لجاز «لا أكل زيد وشرب». وقال بعضهم : «لا» دعائيّة ، دعاء عليه أن لا يفعل خيرا ، وقال آخر : تحضيض ، والأصل فألا اقتحم ، ثم حذفت الهمزة ، وهو ضعيف.
وكذلك يجب تكرارها إذا دخلت على مفرد خبر أو صفة أو حال ، نحو : «زيد لا شاعر ولا كاتب» ، و «جاء زيد لا ضاحكا ولا باكيا» ، ونحو : (إِنَّها بَقَرَةٌ لا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ) [البقرة : ٦٨] ، (وَظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ لا بارِدٍ وَلا كَرِيمٍ) [الواقعة : ٤٣ ـ ٤٤] ، (وَفاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا مَمْنُوعَةٍ) [الواقعة : ٣٢ ـ ٣٣] ، (مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ) [النور : ٣٥].
وإن كان ما دخلت عليه فعلا مضارعا لم يجب تكرارها ، نحو : (لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ) [النساء : ١٤٨] ، (قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً) [الأنعام : ٩٠] ، وإذا لم يجب أن تكرر في «لا نولك أن تفعل» لكون الاسم المعرفة في تأويل المضارع فأن لا يجب في المضارع أحقّ.
ويتخلّص المضارع بها للاستقبال عند الأكثرين ، وخالفهم ابن مالك ، لصحّة
__________________
(١) البيتان من الرجز ، وهما للحارث بن العيف العبدي في المستقصى ١ / ٣٧ ، ولشهاب بن العيف في العباب مادة (زني) ، وللعفيف العبدي في اللسان ، مادة (زنى).
(٢) البيت من الرجز ، وهو لأمية بن أبي الصلت في الأغاني ٤ / ١٣٥ ، وطبقات فحول الشعراء ١ / ٢٦٧ ، ولأبي خراش الهذلي في لسان العرب مادة (جمم) ، وبلا نسبة في المحكم والمحيط الأعظم مادة (جمم) ، والإنصاف ١ / ٧٦.