قال ابن الحاجب : وهذه قوة منه ، واستنباط لمعنى دقيق ، ثم اعترض عليه بقوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ (١٥) الْجَوارِ الْكُنَّسِ (١٦) وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ (١٧) وَالصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ) [التكوير : ١٥ ـ ١٨] فإن الجارّ هنا الباء ، وقد صرّح معه بفعل القسم ؛ فلا تنزل الباء منزلة الناصبة الخافضة ، ا ه.
وبعد ، فالحقّ جواز العطف على معمولي عاملين في نحو : «في الدّار زيد والحجرة عمرو» ولا إشكال حينئذ في الآية.
وأخذ ابن الخبّاز جواب الزمخشريّ ، فجعله قولا مستقلا ، فقال في كتاب النهاية : وقيل إذا كان أحد العاملين محذوفا فهو كالمعدوم ، ولهذا جاز في نحو : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى) [الليل : ١ ـ ٢] وما أظنه وقف في ذلك على كلام غير الزمخشري فينبغي له أن يقيّد الحذف بالوجوب.
المواضع التي يعود الضمير فيها على متأخرّ لفظا ورتبة
وهي سبعة : أحدها : أن يكون الضّمير مرفوعا بـ «نعم» أو «بئس» ، ولا يفسر إلا بالتّمييز ، نحو : «نعم رجلا زيد ، وبئس رجلا عمرو» ، ويلتحق بهما «فعل» الذي يراد به المدح والذمّ ، نحو : (ساءَ مَثَلاً الْقَوْمُ) [الأعراف : ١٧٧] ، و (كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ) [الكهف : ٥] ، و «ظرف رجلا زيد» ؛ وعن الفراء والكسائي أن المخصوص هو الفاعل ، ولا ضمير في الفعل : ويردّه «نعم رجلا كان زيد» ، ولا يدخل النّاسخ على الفاعل ، وأنه قد يحذف ، نحو : (بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً) [الكهف : ٥٠].
الثاني : أن يكون مرفوعا بأوّل المتنازعين المعمل ثانيهما ، نحو قوله [من الطويل] :
٦٣٤ ـ جفوني ولم أجف الأخلّاء ، إنّني |
|
لغير جميل من خليلي مهمل (١) |
والكوفيّون يمنعون من ذلك ، فقال الكسائي : بحذف الفاعل ، وقال الفرّاء : يضمر ويؤخر عن المفسّر ، فإن استوى العاملان في طلب الرّفع وكان العطف بالواو ، نحو : «قام وقعد أخواك» ، فهو عنده فاعل بهما.
الثالث : أن يكون مخبرا عنه فيفسّره خبره ، نحو : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا) [الأنعام : د ٢٩]. قال الزمخشري : هذا ضمير لا يعلم ما يعنى به إلّا بما يتلوه ، وأصله : إن الحياة إلا
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٣ / ٧٧ ، وأوضح المسالك ٢ / ٢٠٠ ، وتخليص الشواهد ص ٥١٥ ، والدرر ١ / ٢١٩ ، وشرح الأشموني ١ / ١٧٩.