الناصب فيه للقوانس فعل محذوف ، لا اسم تفضيل محذوف ، لأنّا فررنا بالتقدير من إعمال اسم التفضيل المذكور في المفعول ، فكيف يعمل فيه المقدّر؟ وقولك : «هذا معطي زيد أمس درهما» التقدير : أعطاه ، ولا يقدّر اسم فاعل ، لأنك إنما فررت بالتقدير من إعمال اسم الفاعل الماضي المجرّد من «أل». وقال بعضهم في قوله تعالى : (لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلى ما جاءَنا مِنَ الْبَيِّناتِ وَالَّذِي فَطَرَنا) [طه : ٧٢] : إن الواو للقسم ، فعلى هذا دليل الجواب المحذوف جملة النفي السّابقة ، ويجب أن يقدر : والذي فطرنا لا نؤثرك ، لأن القسم لا يجاب بـ «لن» إلّا في الضرورة كقول أبي طالب [من الكامل] :
٨٠٦ ـ والله لن يصلوا إليك بجمعهم |
|
حتّى أوسّد في التّراب دفينا (١) |
وقال الفارسي ومتابعوه في (وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ) [الطلاق : ٤] التقدير : فعدتهنّ ثلاثة أشهر ، وهذا لا يحسن وإن كان ممكنا ، لأنه لو صرّح به اقتضت الفصاحة أن يقال :كذلك ، ولا تعاد الجملة الثانية.
إذا دار الأمر بين كون المحذوف مبتدأ
وكونه خبرا فأيهّما أولى؟
قال الواسطي : الأولى كون المحذوف المبتدأ ، لأن الخبر محطّ الفائدة. وقال العبدي : الأولى كونه الخبر ، لأن التجوّز في أواخر الجملة أسهل ، نقل القولين ابن إياز.
ومثال المسألة (فَصَبْرٌ جَمِيلٌ) [يوسف : ١٨ ، ٨٣] أي : شأني صبر جميل ، أو صبر جميل أمثل من غيره ؛ ومثله (طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ) [النور : ٥٣] أي : الذي يطلب منكم طاعة معلومة لا يرتاب فيها ، لا إيمان باللسان لا يواطئه القلب ؛ أو طاعتكم معروفة ، أي : عرف أنها بالقول دون الفعل ؛ أو طاعة معروفة أمثل بكم من هذه الأيمان الكاذبة.
ولو عرض ما يوجب التعيين عمل به ، كما في «نعم الرّجل زيد» على القول بأنّهما جملتان ؛ إذ لا يحذف الخبر وجوبا إلا سدّ شيء مسدّه ؛ ومثله «حبّذا زيد» إذا حمل على الحذف ؛ وجزم كثير من النحويّين في نحو «عمرك» «لأفعلنّ» ، و «أيمن الله لأفعلنّ» بأنّ
__________________
(١) البيت من الكامل ، وهو لأبي طالب في الجنى الداني ص ٢٧٠ ، وخزانة الأدب ٣ / ٢٩٦ ، والدرر ٤ / ٢٢٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٦٨٦.