الفقهاء في المثال المذكور : إنها لا تطلق حتى تقدّم المؤخّر وتؤخّر المقدم ، وذلك لأن التقدير حينئذ إن شربت فإن أكلت فأنت طالق ، وهذا كلّه حسن ، ولكنهم جعلوا منه قوله تعالى : (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) [هود : ٣٤] ، وفيه نظر : إذ لم يتوال شرطان وبعدهما جواب كما في المثال ، وكما في قول الشاعر [من البسيط] :
٨٠٠ ـ إن تستغيثوا بنا تذعروا تجدوا |
|
منّا معاقل عزّ زانها كرم (١) |
وقول ابن دريد [من الرجز] :
٨٠١ ـ فإن عثرت بعدها إن وألت |
|
نفسي من هاتا فقولا لا لعا (٢) |
إذ الآية الكريمةلم يذكر فيها جواب ، وإنما تقدّم على الشرطين ما هو جواب في المعنى للشرط الأول ؛ فينبغي أن يقدّر إلى جانبه ، ويكون الأصل : إن أردت أن أنصح لكم فلا ينفعكم نصحي إن كان الله يريد أن يغويكم ؛ وأمّا أن يقدّر الجواب بعدهما ثم يقدّر بعد ذلك مقدّما إلى جانب الشرط الأوّل فلا وجه له ، والله أعلم.
بيان مقدار المقدّر
ينبغي تقليله ما أمكن ، لتقلّ مخالفة الأصل.
ولذلك كان تقدير الأخفش في «ضربي زيدا قائما» : ضربه قائما ، أولى من تقدير باقي البصريّين : حاصل إذا كان ـ أو إذ كان ـ قائما ، لأنه قدّر اثنين وقدّروا خمسة ، ولأنّ التقدير من اللفظ أولى.
وكان تقديره في «أنت منّي فرسخان» بعدك مني فرسخان ، أولى من تقدير الفارسي : أنت منّي ذو مسافة فرسخين ؛ لأنه قدّر مضافا لا يحتاج معه إلى تقدير شيء آخر يتعلّق به الظرف ، والفارسيّ قدر شيئين يحتاج معهما إلى تقدير ثالث.
وضعف قول بعضهم في (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ) [البقرة : ٩٣] إن التقدير: حبّ عبادة العجل ، والأولى تقدير الحب فقط.
__________________
(١) البيت من البسيط ، وهو بلا نسبة في الأشباه والنظائر ٧ / ١١٢ ، وخزانة الأدب ١١ / ٣٥٨ ، والدرر ٥ / ٩٠ وشرح الأشموني ٣ / ٥٩٦.
(٢) البيت من الرجز ، ولم أجده.