يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ) [سبأ : ٣] الآية ، إلّا بالرفع لما لم يوجد الخفض في لفظ «مثقال» ، ولكن يشكل عليه أنه يفيد ثبوت العزوب عند ثبوت الكتاب ، كما أنك إذا قلت : «ما مررت برجل إلّا في الدّار» كان إخبارا بثبوت مرورك برجل في الدار ؛ وإذا امتنع هذا تعيّن أن الوقف على (فِي السَّماءِ) [يونس : ٦١] ، وأن ما بعدها مستأنف ؛ وإذا ثبت ذلك في سورةيونس قلنا به في سورةسبأ ، وأن الوقف على (الْأَرْضِ ،) وأنه إنما لم يجىء فيه الفتح إتباعا للنقل ؛ وجوّز بعضهم العطف فيهما على أن لا يكون معنى «يعزب» : يخفى ، بل يخرج إلى الوجود.
الوجه الثالث : أن تكون عاطفة ، ولها ثلاثة شروط :
أحدها : أن يتقدّمها إثبات كـ «جاء زيد لا عمرو» ، أو أمر كـ «اضرب زيدا لا عمرا». قال سيبويه : أو نداء ، نحو : «يا ابن أخي لا ابن عمّي» ؛ وزعم ابن سعدان أن هذا ليس من كلامهم.
الثاني : أن لا تقترن بعاطف ، فإذا قيل : «جاءني زيد لا بل عمرو» فالعاطف «بل» ، و «لا» ردّ لما قبلها ، وليست عاطفة. وإذا قلت : «ما جاءني زيد ولا عمرو» فالعاطف الواو ، ولا توكيد للنفي ، وفي هذا المثال مانع آخر من العطف بلا ، وهو تقدّم النفي ، وقد اجتمعا أيضا في (وَلَا الضَّالِّينَ) [الفاتحة : ٧].
والثالث : أن يتعاند متعاطفاها ، فلا يجوز «جاءني رجل لا زيد» لأنه يصدق على «زيد» اسم الرجل ، بخلاف «جاءني رجل لا امرأة» ، ولا يمتنع العطف بها على معمول الفعل الماضي خلافا للزجّاجي ، أجاز : «يقوم زيد لا عمرو» ، ومنع «قام زيد لا عمرو» ، وما منعه مسموع ، فمنعه مدفوع ، قال امرؤ القيس [من الطويل] :
٢٠٢ ـ كأنّ دثارا حلّقت بلبونه |
|
عقاب تنوفى لا عقاب القواعل (١) |
دثار : اسم راع ، وحلّقت : ذهبت ، واللّبون : نوق ذوات لبن ، وتنوفى : جبل عال ، والقواعل : جبال صغار. وقوله إن العامل مقدّر بعد العاطف ، ولا يقال : «لا قام عمرو» إلّا على الدّعاء مردود بأنه لو توقفت صحّة العطف على صحة تقدير العامل بعد العاطف لامتنع «ليس زيد قائما ولا قاعدا».
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لامرىء القيس في ديوانه ص ٩٤ ، وجمهرة اللغة ص ٩٤٩ ، وخزانة الأدب ١١ / ١٧٧ ـ ١٧٨ ، وبلا نسبة في أوضح المسالك ٣٠ / ٣٨٨ ، وشرح الأشموني ٢ / ٤٢٧.