الباب الثاني من الكتاب
في تفسير الجملة ، وذكر أقسامها ، وأحكامها
شرح الجملة ، وبيان أن الكلام أخصّ منها ،
ولا مرادف لها الكلام : هو القول المفيد بالقصد
والمراد بـ «المفيد» : ما دلّ على معنى يحسن السكوت عليه.
والجملة عبارة عن الفعل وفاعله ، كـ «قام زيد» ، والمبتدأ وخبره كـ «زيد قائم» ، وما كان بمنزلة أحدهما ، نحو : «ضرب اللّص» ، و «أقائم الزّيدان» ، و «كان زيد قائما» ، و «ظننته قائما».
وبهذا يظهر لك أنهما ليسا بمترادفين كما يتوهّمه كثير من الناس ، وهو ظاهر قول صاحب المفصل ، إنه بعد أن فرغ من حدّ الكلام قال : ويسمّى جملة ، والصواب أنها أعمّ منه ، إذ شرطه الإفادة ، بخلافها ، ولهذا تسمعهم يقولون : جملة الشرط ، جملة الجواب ، جملة الصلة ، وكلّ ذلك ليس مفيدا ، فليس بكلام.
وبهذا التقرير يتضح لك صحة قول ابن مالك في قوله تعالى : (ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَوْا وَقالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرَّاءُ وَالسَّرَّاءُ فَأَخَذْناهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (٩٥) وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنا بَياتاً وَهُمْ نائِمُونَ) (٩٧) [الأعراف : ٩٥ ـ ٩٧]. إنّ الزمخشري حكم بجواز الاعتراض بسبع جمل ، إذ زعم أن (أَفَأَمِنَ) معطوف على (فَأَخَذْناهُمْ ،) وردّ عليه من ظنّ أن الجملة والكلام مترادفان ، فقال : إنما اعترض بأربع جمل ، وزعم أن من عند (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى) إلى (وَالْأَرْضِ) جملة ، لأن الفائدة إنّما تتمّ بمجموعه.
وبعد ، ففي القولين نظر.
أما قول ابن مالك فلأنه كان من حقّه أن يعدّها ثمان جمل ، إحداها (وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) ، وأربعة في حيّز «لو» ـ وهي : «آمنوا ، واتّقوا ، وفتحنا» ، والمركّبة من «أنّ» وصلتها مع «ثبت» مقدّرا أو مع «ثابت» مقدّرا ، على الخلاف في أنها فعليّة أو اسميّة ، والسادسة (وَلكِنْ كَذَّبُوا ،) والسابعة (فَأَخَذْناهُمْ ،) والثامنة (بِما كانُوا يَكْسِبُونَ).