٢٠٠ ـ إذا الجود لم يرزق خلاصا من الأذى |
|
فلا الحمد مكسوبا ولا المال باقيا (١) |
تنبيه ـ إذا قيل : «لا رجل في الدار» بالفتح تعيّن كونها نافية للجنس ، ويقال في توكيده «بل امرأة» ؛ وإن قيل بالرفع تعيّن كونها عاملة عمل «ليس» ، وامتنع أن تكون مهملة ، إلا إذا تكرّرت كما سيأتي ، واحتمل أن تكون لنفي الجنس وأن تكون لنفي الوحدة ، ويقال في توكيده على الأول «بل امرأة» وعلى الثاني «بل رجلان ، أو رجال».
وغلط كثير من الناس ، فزعموا أن العاملة عمل «ليس» لا تكون إلا نافية للوحدة لا غير ، ويردّ عليهم نحو قوله [من الطويل] :
٢٠١ ـ تعزّ فلا شيء على الأرض باقيا |
|
ولا وزر ممّا قضى الله واقيا (٢) |
وإذا قيل : «لا رجل ولا امرأة في الدار» برفعهما احتمل كون «لا» الأولى عاملة في الأصل عمل «إنّ» ، ثم ألغيت لتكرارها ، فيكون ما بعدها مرفوعا بالابتداء ؛ وأن تكون عاملة عمل «ليس» ، فيكون ما بعدها مرفوعا بها. وعلى الوجهين فالظّرف خبر عن الاسمين إن قدّرت «لا» الثانية تكرارا للأولى وما بعدها معطوفا ؛ فإن قدّرت الأولى مهملة والثانية عاملة عمل «ليس» أو بالعكس ، فالظّرف خبر عن أحدهما ، وخبر الآخر محذوف كما في قولك : «زيد وعمرو قائم» ، ولا يكون خبرا عنهما ، لئلّا يلزم محذوران : كون الخبر الواحد مرفوعا ومنصوبا ، وتوارد عاملين على معمول واحد.
وإذا قيل : «ما فيها من زيت ولا مصابيح» بالفتح ـ احتمل كون الفتحة بناء مثلها في «لا رجال» ، وكونها علامة للخفض بالعطف ، و «لا» مهملة. فإن قلته بالرفع احتمل كون «لا» عاملة عمل «ليس» ، وكونها مهملة والرّفع بالعطف على المحلّ.
فأما قوله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذلِكَ وَلا أَكْبَرَ) [يونس : ٦١] فظاهر الأمر جواز كون «أصغر» و «أكبر» معطوفين على لفظ «مثقال» أو على محلّه ، وجواز كون «لا» مع الفتح تبرئة ، ومع الرفع مهملة أو عاملة عمل «ليس» ؛ ويقوّي العطف أنه لم يقرأ في سورةسبأ في قوله سبحانه وتعالى : (عالِمِ الْغَيْبِ لا
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للمتنبي في ديوانه ٤ / ٤١٩ ، وتخليص الشواهد ص ٢٩٩ ، والجنى الداني ص ٢٩٤ ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ١٠٨.
(٢) تقدم تخريجه.