ذهب وجلس ، وفي الثاني : «ضرب عبد الله زيدا» وقال : «انتصب زيد لأنّه مفعول تعدّى إليه فعل الفاعل» (١). وهذا الذي قاله سيبويه سالم عن الاعتراض وليس فيه إطلاق المفعول على المصدر بل على ما يتعدّى إليه فعل الفاعل ؛ وذلك أعمّ من أن يكون حاصلا بفعل الفاعل ، أو ليس حاصلا بفعله ولكنّ فعل الفاعل واقع عليه. وتسمية الأول مفعولا حقيقة ، وتسمية الثاني مفعولا اصطلاح ، أو على حذف الجارّ والمجرور وإرادة أنّه مفعول به. ولا يرد على عبارة سيبويه شيء ممّا ذكرناه في تسمية معنى المصدر فعلا حقيقيا ولا في تسمية المصدر مفعولا مطلقا. فسبحان من أسعده في عبارته وحماها عن أن يدخل عليها بإفساد.
الثالث : أنّ النحاة اختلفوا في إطلاق المفعول المطلق فقال جمهورهم : إنه يطلق على جميع المصادر. وقال بعضهم : لا يطلق إلا على مصادر الأفعال العامة كعمل وفعل وصنع ؛ وهذا القول كالشاذّ عند النحاة. وقد نبّهنا على أنّ بعض المصادر لا يصحّ أن يقال إنه فعل حقيقي ولا مفعول مطلق ، وهو العلم القديم. ومن هذا يظهر أنّ معنى التعدّي أن يتعلق معنى الفعل بغير الفاعل كقولنا : «علم الله كذا» ، فعلمه متعلّق بالمعلوم ، وتسميته تعالى فاعلا في هذا المثال ليس المراد به أنه فاعل العلم ، لأنّ علمه ليس بمفعول ، وإنّما هو على اصطلاح النحاة في أنّ من أسند إليه فعل على وجه مخصوص يسمّى فاعلا.
الرابع : أنّ غير الله تعالى لا أثر لفعله في الذّوات إجماعا ، أعني : لا يفعل ذاتا ، وهذا متفق عليه بيننا وبين المعتزلة ، وقامت عليه الأدلة العقلية ، ولم يذهب أحد من أهل الملل إلى خلافه ، ولهذا لمّا قال أصحابنا : إنّ أعمال العباد مخلوقة لله تعالى ، واحتجوا بقوله تعالى : (وَاللهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ) [الصافات : ٩٦] ، حاولت المعتزلة الجواب بجعل (ما) موصولة ، فيكون المراد الأصنام ، وهي مخلوقة لله تعالى بالاتفاق. وردّ أصحابنا هذا الجواب بأنّ الآية جاءت للردّ عليهم في عبادتهم إياها ؛ وهم لم يعبدوها من حيث ذواتها ، وإنّما عبدوها من حيث هي معمولة لهم بنحتهم وتصويرهم ؛ كأنه قال : أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم ونحتكم ، أو : والنحت الذي تنحتونه ، أو : والمنحوت الذي صوّرتموه بنحتكم. فهذه ثلاثة تقادير لأهل السنة :
أحدها : أن تكون ما مصدرية.
__________________
(١) انظر الكتاب (١ / ٦٨).