قال ابن الحر : فإن نفسي لا تسمح بالموت ولكن فرسي هذه الملحقة والله ما طلبت عليها شيئاً قط إلا لحقته ولا طلبني أحد وأنا عليها إلا سبقته فخذها لك.
فقال له الحسين عليهالسلام : أما إذا رغبت بنفسك عنا فلا حاجة لنا في فرسك ولا فيك ( وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المُضِلِّينَ عَضُدًا ) (١) وإني أنصحك كما نصحتني ، إن استطعت أن لا تسمع صراخنا ، ولا تشهد وقعتنا فافعل ، فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ولا ينصرنا إلا أكبّه الله في نار جهنم (٢).
فكان أمثال هؤلاء يجنّبهم الحسين عليهالسلام ساحة القتال ، ويحذّرهم من سماع واعيته ما داموا غير موطنين أنفسهم للدفاع عنه.
ولذا كان لأذن الحسين عليهالسلام لأصحابه بالتفرق عنه أكبر الأثر في ابقاء الصفوة الخالصة التي لا يحتمل في حقها الهزيمة أو الخذلان إذ من الطبيعي مَن كان صادقاً في عزيمته وموطناً على ذلك نفسه ـ وانطلاقاً من الشعور بالمسؤولية ـ لا يتخلىٰ عنه في ساعة المحنة وفي أحلك الظروف واشتداد الأمر ، ولذا بقي معه من وطَّن نفسه على ذلك وأبت حفيظتُهُ مفارقتَه ولسان حالهم يقول :
إنّا على العهد لم نخذلك في غدنا |
|
وكيف يخذل مَنْ في حبكم فُطِما |
وأما من كان غير متصف بهذا كان من الطبيعي أن يتخلىٰ عنه ولو بقي معه مثل هذا ! لا يؤمن منه أن يسلمه عند الوثبة ويخذله في ساحة الحرب ، فيكون أسوأ حالاً ممن انصرف عنه عليهالسلام ليلة العاشر ، فعلىٰ هذا لا محالة يواجه خطرين عظيمين :
أحدهما : أنه يبوءُ بغضبِ الله تعالى لا نهزامه وزحفه من ساحة المعركة ، ولا
__________________
(١) سورة الكهف : الآية ٥١.
(٢) مقتل الحسين للمقرم : ص ١٨٩ ، تاريه الطبري : ج ٤ ، ص ٣٠٧ ، بتفاوت.