إنما جاز جرّ سابق على توهّم جرّ مدرك بباء زائدة. لجواز ذلك فيه.
يا هؤلاء أخبروا سائلكم |
|
ما اسم له لفظ وموضعان |
ولا يراعى لفظه في تابع |
|
والموضعان قد يراعيان |
واللّفظ مبنيّ كذاك موضع |
|
من موضعيه عاد من بيان |
يعني قولك : يا هؤلاء في باب النداء. فإن في لفظه الكسر للبناء ، وله موضعان الضمّ الذي في مثل يا زيد ، والنصب الذي هو الأصل في المنادى لظهوره في مثل يا عبد الله ، وتقول في التابع : يا هؤلاء الكرام بالرفع ، أو الكرام بالنصب ، فتراعي الموضعين ولا تراعي اللفظ بوجه ، والشأن في البناء لا يراعى في التابع ، لكنّه هنا روعي منه ما لم يظهر ، ولم يراع ما ظهر مع أنّ الظاهر قويّ بظهوره ، والمقدّر ضعيف بتقديره ، لكن لما كان هذا البناء المقدّر شبيها بالإعراب صار كأنه موضع إعرابين ، فجازت مراعاته ، وصار يعتدّ به موضعا بخلاف البناء الأصيل.
ما زائد لفظا ، ومعنى لازم |
|
ينوي إذا لم يلف في المكان |
يعني في مثل قولك : قيامي كما أنّك تقوم ، أيّ : كقيامك. فالكاف جارّة لموضع أنّ وصلتها ، وما فارقة بين هذه الكاف وبينها مركّبة مع أنّ ، ولا جرّ لها ، وذلك في قولك : كأنّ زيدا قائم. والكلام مع كأنّ جملة بخلاف الكاف الجارّة ، فإنها مع ما بعدها جزء كلام ، فإذا أرادوا التركيب لم يفصلوا بشيء. وإذا أرادوا الجارّة فصلوا بها. فهي زائدة في اللفظ ، لأنّ ما بعدها مجرور المحلّ بالكاف التي قبلها وفي المعنى أيضا ، إذ لا تفيد شيئا سوى الفرق اللفظيّ ، وقد تخفف (أنّ) بعد الكاف الجارّ فتقول : قمت كما أن ستقوم ، وقد تحذف ما في الشعر ، وتكون منويّة ، فهي زائدة لفظا ومعنى ، لازمة بحيث تنوى إذا لم توجد ، وعليه جاء بيت سيبويه : [الطويل]
٣٥٥ ـ قروم تسامى عند باب دفاعه |
|
كأن يؤخذ المرء الكريم فيقتلا |
على رواية رفع يؤخذ. أراد كما أنّه يؤخذ ، ولم يفصل بين أن المخفّفة من أنّ وبين الفعل ضرورة أيضا ، وعطف فيقتل على المصدر المقدّر من أن وما بعدها من باب قوله : [الوافر]
__________________
٣٥٥ ـ الشاهد للنابغة الجعدي في ديوانه (ص ١٣١) ، والكتاب (٣ / ١٦١) ، وشرح أبيات سيبويه (٢ / ١٥٨).