فقالت : لقّنني هذا أعلم أهل زمانه ، قال : ومن هو؟ قالت : المازني ، فقال : عليّ به ، فأشخص إليها ، فلمّا مثل بين يديه قال : ما اسمك يا مازني؟ قال : بكر ، يا أمير المؤمنين ، قال : أحسنت ، كيف تروي : أظليم .. البيت؟ فقال : إنّ مصابكم رجلا ، قال : فأين خبر (إنّ)؟ قال : قوله : ظلم ، ومعنى مصابكم إصابتكم ، قال : صدقت.
قال أبو الطيب : وقد شجر بين محمد بن عبد الملك الزيات وأحمد بن أبي دؤاد ، في هذا البيت الذي غلط فيه الواثق ، فقال محمد : إنّ مصابكم رجلا وقال أحمد : رجل ، فسألا عنه يعقوب ابن السكيت فحكم لأحمد بن أبي دؤاد عصبيّة لا جهلا.
فأخبرونا عن ثعلب قال : لقيت يعقوب فعاتبته في هذا عتابا ممضّا فقال لي : اسمع عذري ، جاءني رسول ابن أبي دؤاد فمضيت إليه فلمّا رآني بشّ بي وقرّبني ورفعني وأحفى في المسألة عن أخباري ، ثم قال لي : يا أبا يوسف مالي أرى الكسوة ناقصة؟ يا غلام دستا كاملا من كسوتي فأحضر ، فقال : كيسا فيه مائتا دينار ، ثم قال لي : أراكب قلت : لا ، بل راجل ، فقال : حماري الفلاني بسرجه ولجامه ، فأحضر ، وقال : يسلّم الجميع إلى غلام أبي يوسف ، فشكرت له ذلك ، ثم قال لي : يا أبا يوسف ، أنشدت هذا البيت : أظلوم إنّ مصابكم رجل ، فقال الوزير : إنما هو «رجلا» بالنصب ، وقد تراضينا بك ، فقلت : القول ما قلت ، فخرجت من عنده فإذا رسول محمد بن عبد الملك ، فقال : أجب الوزير ، فلمّا دخلت إليه بدرني وأنا واقف ، فقال : يا يعقوب أليس الرّواية : أظليم إنّ مصابكم رجلا؟ فقلت : لا بل رجل ، فقال : اغرب ، قال يعقوب : فكيف كنت ترى لي أن أقول؟
انتهى الجزء الثالث ويليه الجزء الرابع
وأوله (في المسائل) لابن السيّد البطليوسي