يُحْيِي
وَيُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨] ، أي : يحيي الموتى ويميت الأحياء ، فيصير المعنى في قوله
تعالى : (أَحْسَنَ بِي) أي : أوقع جميل صنعه بي ، وإذا عدّيته بإلى يصير المعنى
فيه الإيصال ، كأنه قال : أوصل إحسانه إليّ ، والمعنى متقارب ، وإن كان تقدير كل
واحد منهما غير تقدير الآخر ، فليس ينبغي أن يحمل فعل على معنى فعل آخر إلّا عند
انقطاع الأسباب الموجبة لبقاء الشيء على أصله ، كقوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ
عَنْ أَمْرِهِ) [النور : ٦٣] ، والشائع في الكلام : يخالفوه أمره ، فحمل على معنى : يخرجون
عن أمره ، لأنّ المخالفة خروج عن الطاعة ، وكذا قوله تعالى : (وَإِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا
لَهُ) [الأعراب : ٢٠٤] ، والشائع في الكلام فاستمعوه ، وإنما حمل على معنى
أنصتوا.
قال : وأما
قولك في بيت أبي الطيب : «إنّه على معنى «جعلت» فيصير «ركبت» قد تعدّى في هذا
الموضع إلى مفعولين» ، فهو غلط منك ، وإنما غلّطك في ذلك أنّك رأيت بعرانا اسما
جامدا لا يصح نصبه على الحال ، وإنما ينصب على الحال عندك ما كان مشتقا من فعل
كضاحك ومسرع ، وهذا وهم منك ، وهب أنّا سلّمنا لك هذا التوجيه الذي وجهت به بيته
هذا ، فكيف تصنع في بيته الآخر : [الوافر]
٥٢٨ ـ بدت قمرا ومالت خوط بان
|
|
وفاحت عنبرا
ورنت غزالا
|
أتراك تجعل هذه
المنصوبات كلّها مفعولات ، وتتصيد في كل فعل من هذه الأفعال معنى يصير به متعديا
إلى مفعول به؟ وكيف تصنع في قولهم : بعت الشاء شاة بدرهم ، وبيّنت له حسابه بابا
بابا ، وكلّمته فاه إلى فيّ؟ فهذه الأسماء الجامدة كلّها عند النحويين أحوال ،
ويكون تقديره قوله : بدت قمرا : مضيئة كالقمر ، ومالت خوط بان : متثنّية ، وفاحت
عنبرا أي : طيّبة النّشر كالعنبر ، ورنت غزالا أي : مليحة النظر كالغزال ، وممّا
يدلّك على أنّها أحوال دخول واو الحال عليها إذا صارت جملة ، كقولك : بدت وهي قمر
، ومالت وهي خوط بان ، وكذلك بيّنت له حسابه بابا بابا ، المعنى : مبوّبا مفصّلا ،
وبعت الشاء شاة بدرهم ، أي : مسعّرا ، ويكون قول أبي الطيب على ذلك : ركبت الناس بعرانا
بمعنى مركوبين لي وحاملين ، وممّا يدلّ على أنّ بعرانا في بيت أبي الطيب حال لا
مفعول ثان للجعل كونه يجوز إسقاطه ، ولو كان مفعولا ثانيا لم يجز إسقاطه ، ألا ترى
أنّه لو قال : ركبت الناس كلّهم إلى سعيد لم يحتج إلى زيادة ، ولو قال : جعلت
الناس كلّهم إلى سعيد وسكت لم يتمّ الكلام ،
__________________