وقال أيضا : إن المعربين اتفقوا على تعلّق يوم من قوله : (إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ، ما لَهُ مِنْ دافِعٍ ، يَوْمَ تَمُورُ السَّماءُ مَوْراً) [الطور : ٧ ـ ٩] بواقع ، مع أنّ ما لها صدر الكلام ، ولم يمنع من ذلك ما عدا الإمام فخر الدين ، واستند الإمام فخر الدين في ذلك إلى أنّ العذاب المكنيّ عنه لم يقع في ذلك اليوم ، بل بعد ذلك في يوم البعث وهذا اعتراض قريب لأنّ اليوم يطلق على تلك الأزمنة جميعها ، وعلى هذا فلا مانع من أن تكون الآية السابقة من باب التنازع ، واستند بعضهم في منع التنازع في الآية إلى أنّ ذلك يتخرج على أحد القولين في الجملة الاسمية الواقعة جوابا هل لها موضع من الإعراب أم لا؟ فإن قلنا : إنّ لها موضعا من الإعراب ينبغي أن لا يجوز التنازع ، لأنه يشترط في باب التنازع أن يكون كلّ من العاملين له استقلال ، ولا أدري كيف قيل بذلك ، فإنّ النحاة جمهورهم يعدّون قوله تعالى : (آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً) [الكهف : ٩٦] من باب الإعمال مع صريح الجزم فيه ، وكذلك قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمْ : تَعالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ) [المنافقون : ٥] ثم إنّ شرط الاستقلال تحجير في المسألة لم نر من قيد بذلك ، وبل من جوّز ذلك حيث لا استقلال فقد ردّ ابن الصائغ على ابن عصفور استدلاله ـ أعني ابن عصفور ـ على استعمال (عسى) تامة بقوله تعالى : (عَسى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقاماً مَحْمُوداً) [الإسراء : ٧٩] وجعله ذلك دليلا قاطعا من جهة أنّه لا يجوز أن يعتقد أن ربك مرفوع بعسى و «يبعثك» متحمل للضمير لئلا يلزم الفصل بين أبعاض الصلة بمعمول غيرها.
وقال : أعني ابن الصائغ : يمكن أن تكون الآية من باب التنازع بأن يعمل الثاني ويجعل في الأول ضمير يعود على ربك ، فهو كما تراه قد أجاز التنازع مع أنّ العامل الأول لم يستقلّ ، وإنّما ذلك شيء كان يقوله شيخنا أثير الدين في قوله تعالى : (وَأَنَّهُ كانَ يَقُولُ سَفِيهُنا) [الجن : ٤] ، ويقول : كيف يجعل هذا من باب التنازع ولا استقلال في كلا الجملتين؟ وهل مثل هذا جائز؟ فيذكر ذلك على سبيل الاستكشاف لا على سبيل التقييد للباب.
قال ابن الصائغ : وأقول : إنّ من منع أن تكون هذه الآية من باب التنازع فلم يستند لأقوى من أنّ «إنّ» والفاء لهما صدر الكلام ، وما له صدر الكلام يمنع ما بعده أن يعمل فيما قبله ، فكذلك ينبغي أن يمنع ما قبله من العمل فيما بعده من جهة صدريته ، وإذا استقرّ ذلك وكان من شرط باب التنازع إمكان تسلط العامل على ذلك المعمول وعمله فيه كما تقدم في النقل عن سيبويه والعامل هنا ـ أعني الأول ـ لا يمكن أن يعمل في المتنازع فيه لما مرّ ، وقد يتقوى ذلك بما ذكره الخفاف في شرح الكتاب ، فإنه قال فيه بعد إنشاد قول الشاعر : [البسيط]