مخبر بها عن المؤنث وهو الرحمة ، مع أنّ الخبر الذي هذا شأنه يجب فيه
التأنيث؟ تقول : هند كريمة ، ولا تقول : كريم ولا ظريف ، وإنما بيّنت كيفية السؤال
لأنني وقفت على عبارة شنيعة لبعض المفسرين في تقرير السؤال أنكرتها ، اللهمّ
ألهمنا الأدب مع كلامك ولا تردّنا على أعقابنا بأهوائنا وحسن السؤال نصف العلم ،
وقد أجاب العلماء رحمهم الله تعالى بأوجه جمعتها ، فوقفت منها على أربعة عشر وجها
منها قويّ وضعيف ، وكلّ مأخوذ من قوله ومتروك ، ونحن نسرد ذلك بحول الله وقوته
متتبعين له بالتصحيح والإبطال بحسب ما يظهره الله تعالى ، والله يقول الحق وهو
يهدي السبيل.
الوجه الأول :
أنّ الرحمة في تقدير الزيادة ، والعرب قد تزيد المضاف ، قال الله سبحانه : (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) [الأعلى : ١] أي : سبّح ربّك ، ألا ترى أنه لا يقال في التسبيح : سبحان اسم
ربي ، إنّما يقال : سبحان ربي؟ والتقدير : إنّ الله قريب ، فالإخبار في الحقيقة
إنّما هو عن الاسم الأعظم ، إنّ الله قريب من المحسنين.
قلت : وهذا
الوجه لا يصح عند علماء البصرة ، لأن الأسماء لا تزاد في رأيهم ، إنّما تزاد
الحروف ، وأمّا (سَبِّحِ اسْمَ
رَبِّكَ الْأَعْلَى) فلا يدلّ على ما قالوه ، لاحتمال أن يكون المعنى : نزّه
أسماءه عمّا لا يليق بها ، فلا تجر عليه اسما لا يليق بكماله ، أو لا تجر عليه
اسما غير مأذون فيه شرعا ، وهذا هو أحد التفسيرين في الآية الكريمة ، وإذا أمكن
الحمل على محمل صحيح لا زيادة فيه وجب الإذعان له لأنّ الأصل عدم الزيادة.
الثاني : أنّ
ذلك على حذف مضاف ، أي : إن مكان رحمة الله قريب ، فالإخبار إنّما هو عن المكان ،
ونظيره قوله صلّى الله عليه وسلّم مشيرا إلى الذهب والفضة : «إنّ هذين حرام» فأخبر
عن المثنّى بالمفرد ، لأنّ حقيقة الكلام وأصله : إنّ استعمال هذين حرام ، وكذلك
قول حسان بن ثابت : [الكامل]
يسقون من ورد
البريص عليهم
|
|
بردى يصفّق
بالرّحيق السّلسل
|
أي : ماء بردى
، فلهذا قال «يصفق» بالتذكير ، مع أنّ بردى مؤنث ، انتهى.
وهذا المضاف
الذي قدّره في غاية البعد ، والأصل عدم الحذف ، والمعنى مع ترك هذا المضاف أحسن
منه مع وجوده.
الثالث : أنّه
على حذف الموصوف ، أي : إنّ رحمة الله شيء قريب ، كما قال الشاعر : [السريع]
__________________