وليست للفاعل ، وأمّا الأقوال الستة التي ذكرها فإني أشير إلى ما يرد على كل واحد منها إشارة لطيفة :
أمّا قوله : «قريب» بمعنى فاعل أجري مجرى فعيل بمعنى مفعول كما أجري ذلك مجرى هذا في لحاق التّاء فلا شكّ أنّه من قول النحاة ، لكن ما الدليل عليه؟ فإنّه مجرد دعوى ، ويرد عليه أنّ أحد الفعلين مشتق من فعل لازم والآخر من فعل متعدّ ، فلو أجري على أحدهما حكم الآخر لبطل الفرق بين اللازم والمتعدي ، إن كان على وجه العموم ، وإن كان على وجه الخصوص فأين الدليل عليه؟ والحقّ أنّ كلّا من الفعلين يطلق على المذكر بلا تاء ولا خلاف فيه ، وعلى المؤنث تارة مع التاء وأخرى بلا تاء أصالة ، كما ورد في أشعار الفصحاء ، لا على سبيل التبعية ولا على وجه الشذوذ والندرة ، وتشبيه أحدهما بالآخر كما زعموا لأنّ الأصل في الكلام الحقيقة وقد كثر شواهد ذلك ، قال جرير يرثي خالدة : [الكامل]
٤٥٥ ـ نعم القرين وكنت علق مضنّة |
|
وأرى بنعف بليّة الأحجار |
وقال : [الكامل]
٤٥٦ ـ فسقاك حين حللت غير فقيدة |
|
هزج الرّواح وديمة لا تقلع |
وقال الفرزدق : [الطويل]
٤٥٧ ـ فداويته عامين وهي قريبة |
|
أراها وتدنو لي مرارا وأرشف |
وامرأة قبين وسريح وهريت ، وفروك وهلوك ورشوف وأتوف ورصوف (٤) وامرأة ملولة وفروقة وامرأة عروب (٥) وسحابة دلوج (٦) ، ولا استغراب في إطلاق رميم على العظام مع أنها جمع تكسير مؤنث فهو على وفاق كلام فصحاء العرب ، قال جرير مع فصاحته ولم ينكر عليه : [البسيط]
٤٥٨ ـ آل المهلّب جذّ الله دابرهم |
|
أمسوا رميما فلا أصل ولا طرف |
__________________
٤٥٥ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٨٦٢).
٤٥٦ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ٩١١).
٤٥٧ ـ الشاهد للفرزدق في ديوانه (٢ / ٢٥) ، وجمهرة أشعار العرب (ص ٨٧٩).
(١) القبين : المنكمش في أموره. والسريح : السهل. والهريت : الواسع الشدقين. والفروك : المبغضة لزوجها. والهلوك : الفاجرة الشبقة. والرشوف : الطيّبة الفم. والأنوف : الطيّبة ريح الأنف.
والرصوف : الصغيرة الفرج.
(٢) الفروقة : الشديدة الخوف. والعروب : الضاحكة.
(٣) السحابة الدلوج : الثقيلة بحملها.
٤٥٨ ـ الشاهد لجرير في ديوانه (ص ١٧٦) ، ولسان العرب (ملح) ، ومجمع الأمثال (١ / ١٧٦).