قال : تصدّق واستغفر ربّك ، فقال الرجل : فوالذي عظم حقّك ما تركت في البيت شيئاً لا قليلاً ولا كثيراً ، قال : فدخل رجل من الناس بمكتل تمر فيه عشرون صاعاً يكون عشرة أصوع بصاعنا ، فقال له رسول الله : خذ هذا التمر فتصدّق به ، فقال يا رسول الله : على من أتصدّق به وقد أخبرتك أنّه ليس في بيتي قليل ولا كثير ، قال : فخذه وأطعمه عيالك واستغفر الله عزوجل» قال : فلما رجعنا قال أصحابنا : إنّه بدأ بالعتق ، قال : «أعتق ، أو صم ، أو تصدّق» (١).
ورواية المشرقي ، عن أبي الحسن عليهالسلام ، قال : سألته عن رجل أفطر من شهر رمضان أيّاماً متعمّداً ، ما عليه من الكفّارة؟ فكتب : «من أفطر يوماً من شهر رمضان متعمّداً فعليه عتق رقبة مؤمنة ، ويصوم يوماً بدل يوم» (٢) فإنّها تدلّ على تعيّنه عليه.
والجواب عن الرواية الأُولى : بعد ضعفها ، أنّها ليست بنصّ في الترتيب في التكليف ، بل إنّما هو ترتيب في إلقاء الحكم ، ولعلّه عليهالسلام ابتدأ بما ابتدأ لأجل الأفضليّة.
سلّمنا الدلالة ، لكنها لا يعارض بها ما قدّمناه من الأخبار المعتبرة الصريحة في التخيير (٣) ؛ لموافقتها لجمهور الأصحاب ، ومخالفتها لأكثر العامة (٤) ، ووافقنا في التخيير ؛ مالك (٥) ، ورووا رواية دالّة عليه عن أبي هريرة (٦) ، وأما أبو حنيفة والشافعي وغيرهما فذهبوا إلى الترتيب ، واستدلّوا بحكاية الأعرابي المتقدّمة ،
__________________
(١) الكافي ٤ : ١٠٢ ح ٢ ، التهذيب ٤ : ٢٠٦ ح ٥٩٥ ، الاستبصار ٢ : ٨٠ ح ٢٤٥ ، الوسائل ٧ : ٢٩ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ٢.
(٢) التهذيب ٤ : ٢٠٧ ح ٦٠٠ ، الاستبصار ٢ : ٩٦ ح ٣١١ ، الوسائل ٧ : ٣١ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨ ح ١١.
(٣) الوسائل ٧ : ٢٨ أبواب ما يمسك عنه الصائم ب ٨.
(٤) كأبي حنيفة والثوري والشافعي والأوزاعي ، انظر بدائع الصنائع ٥ : ٩٦ ، والمبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، والمغني ٣ : ٦٦ ، والشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، والمجموع ٦ : ٣٣٣ و ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، وفتح العزيز ٦ : ٤٥٢ ، وبداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، والتذكرة ٦ : ٥٢.
(٥) الكافي في فقه أهل المدينة : ١٢٤ ، بداية المجتهد ١ : ٣٠٥ ، المغني ٣ : ٦٦ ، الشرح الكبير ٣ : ٦٩ ، المجموع ٦ : ٣٤٥ ، حلية العلماء ٣ : ٢٠١ ، المبسوط للسرخسي ٣ : ٧١ ، فتح العزيز ٦ : ٤٥٢.
(٦) صحيح مسلم ٢ : ٧٨٢ ح ٨٣ ، ٨٤ ، سنن البيهقي ٤ : ٢٢٥.