(١) أنهم إذا طلب منهم أن يتقدموا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليستغفر لهم على ما فرط منهم من الذنوب ، أمالوا رءوسهم وأعرضوا استكبارا وأنفة أن يفعلوا.
(٢) أنهم قالوا : لئن رجعنا من وقعة بنى المصطلق (قبيلة من اليهود) إلى المدينة لنخرجن الأذلاء محمدا وصحبه منها.
ثم نعى عليهم ما قالوا بأنهم قوم لا حلوم لهم ، ولا هم يفقهون جليل قدرة الله وبديع صنعه.
روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين غزا بنى المصطلق علا المريسيع (ماء لهم) وهزمهم وقتل وأسر ـ ازدحم على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري ، وكان أجيرا لعمر بن الخطاب ، وسنان الجهني ، وكان حليف عبد الله بن أبىّ ، واقتتلا فصرخ جهجاه وقال : يا للمهاجرين ، وصرخ سنان وقال : يا للأنصار ، فأعان جهجاها رجل من المهاجرين ولطم سنانا ؛ فقال عبد الله بن أبىّ للمهاجرين : ما صحبنا محمدا إلا لنلطم ، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل : سمّن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل ، ثم قال لقومه : لو أمسكتم عن هذا وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد ، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : دعنى يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق قال : إذا ترعد أنف كثيرة بيثرب (يريد صلى الله عليه وسلم أنه يهيج الشر) قال : فإن كرهت أن يقتله مهاجر فأمر به أنصاريا ، قال : فكيف إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه؟. ثم قال لعبد الله : أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني ، قال : والله الذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك ، وإن زيدا (يريد زيد بن أرقم الذي بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم) لكاذب ، فنزلت هذه الآيات ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد : يا غلام إن الله صدّقك وكذب المنافقين ، فلما بان كذب عبد الله قيل له : قد نزلت فيك آي شداد ، فأذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر