وهذا من الحبر دليل على أن هناك عوالم كثيرة لا يجدر بالعلماء أن يحدثوا عنها العامة ، فإن عقولهم تضل فى فهمها ، فلتبق فى صدور العلماء وأهل الذكر حتى لا يفتنوا بها.
(يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ) أي يجرى أمر الله وقضاؤه وقدره بينهن ، وينفذ حكمه فيهن ، فهو يدبر ما فيها وفق علمه الواسع ، وحكمته فى إقامة نظمها ، بحسب العدل والمصلحة.
أخرج ابن المنذر وغيره عن قتادة قال : «فى كل سماء وفى كل أرض خلق من خلقه تعالى ، وأمر من أمره ، وقضاء من قضائه عز وجل».
(لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللهَ قَدْ أَحاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً) أي ينزل قضاء الله وأمره بين ذلك ، كى تعلموا أيها الناس كنه قدرته وسلطانه ، وأنه لا يتعذر عليه شىء أراده ، ولا يمتنع عليه أمر شاءه ، فهو على ما يشاء قدير ، ولتعلموا أن الله بكل شىء من خلقه محيط علما لا يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر.
فخافوا أيها المخالفون أمر ربكم فإنه لا يمنعه من عقوبتكم مانع ، وهو قادر على ذلك ، ومحيط بأعمالكم لا يخفى عليه منها خاف ، وهو محصيها عليكم ، ليجازيكم بها يوم تجزى كل نفس بما كسبت.
ما تضمنته هذه السورة من الشئون
اشتملت هذه السورة على أحكام شرعية ، ومناهج دينية ، وفتاوى إسلامية ، وضعت لإقامة العدل بين الخلق ؛ وما أهل الأرض ولا أحكامهم ولا شرائعهم ولا دياناتهم إلا لمحة من نور العدل العام ، وقبضة من فيضه ، وزهرة من شجرته ، فإن قضى القضاة على كراسى الحكم بين العباد ، فأعطوا زيدا ما يجب على عمرو ، وقالوا للحامل عدتك وضع الحمل ، فكم بين السموات والأرض من قضاء فى هذا