(بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ) أي ما أقبح هذا مثلا لهم ، لتكذيبهم بآيات الله التي جاءت على لسان رسوله لو كانوا يتدبرون ويتفكرون ، إذ لم يكن لهم ما يشبههم من ذوى العقول والحجا من ملك أو إنس ، بل لا شبيه لهم إلا ما هو أحقر الحيوان وأذلّه وهو الحمار.
ولا يقيم على ضيم يراد به |
|
إلا الأذلّان عير الحىّ والوتد |
هذا على الخسف مربوط برمّته |
|
وذا يشجّ فلا يرثى له أحد |
(وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) لأنفسهم الذين دسّوها حتى أحاطت بهم الخطيئة وأعمت أبصارهم ورانت على قلوبهم ، فلم تر نور الحق ، ولم تشعر بحجة ولا برهان ، بل هى فى ظلام دامس لا تهتدى لطريق ، ولا تصل إلى غاية.
ولما كان من شأن من يعمل بالكتاب الذي أنزل إليه أن يكون محبّا للحياة تاركا لكل ما ينفعه فى الآخرة قال آمرا رسوله أن يقول لهم :
(قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) أي أيها اليهود إن كنتم تزعمون أنكم على هدى من ربكم ، وأن محمدا وأصحابه على ضلالة ، فادعوا بالموت على الضال من الفئتين ، إن كنتم صادقين فيما تزعمون ، وقد تقدم الكلام فى مثل هذه المباهلة (الملاعنة) لليهود فى سورة البقرة فى قوله : «قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ» كما تقدمت مباهلة النصارى فى آل عمران فى قوله : «فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكاذِبِينَ» ومباهلة المشركين فى قوله : «قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا».
ثم أخبر بأنهم لن يتمنوه أبدا لما يعلمون من سوء أفعالهم وقبيح أعمالهم فقال :