ومقاطعتهم ، وكان ذلك عزيزا على نفوسهم ، ويتمنون أن يجدوا المخلص منه ـ أردف ذلك سبحانه بأنه سيغير من طباع المشركين ، ويغرس فى قلوبهم محبة الإسلام ، فيتمّ التوادّ والتصافي بينكم وبينهم.
وفى ذلك إزالة للوحشة من قلوب المؤمنين ، وتطيب لقلوبهم ، وقد أنجز الله وعده ، فأتاح للمسلمين فتح مكة ، فأسلم قومهم ، وتم لهم ما كانوا يريدون من التحابّ والتوادّ ، ثم رخص لهم فى صلة الذين لم يقاتلوهم من الكفار ولم يخرجوهم من ديارهم ، ولم يظاهروا على إخراجهم.
روى أحمد فى جماعة آخرين عن عبد الله بن الزبير قال : قدمت قتيلة بنت عبد العزّى على ابنتها أسماء بنت أبى بكر بهدايا ـ صناب (صباغ يتخذ من الخردل والزبيب) وأقط وسمن وهى مشركة ؛ فأبت أسماء أن تقبل هديتها أو تدخل بيتها ، حتى أرسلت إلى عائشة رضى الله عنها أن تسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا فسألت فأنزل الله «لا يَنْهاكُمُ اللهُ» الآية ، فأمرها أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها ؛ وقال الحسن وأبو صالح : نزلت الآية فى خزاعة وبنى الحرث بن كعب وكنانة ومزينة وقبائل من العرب ، كانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يقاتلوه ولا يعينوا عليه.
الإيضاح
(عَسَى اللهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً ، وَاللهُ قَدِيرٌ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي لعل الله يجعل بينكم وبين أعدائكم من كفار مكة محبة بعد البغض ، ومودة بعد النفرة ، وألفة بعد الفرقة ، والله قدير على ما يشاء ، فيؤلف بين القلوب بعد العداوة ، غفور لخطيئة من ألقى إليهم بالمودة إذا تابوا منها ، رحيم بهم أن يعذبهم بعد التوبة.