فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) أي إن فعلتم ذلك فآمنتم بالله وصدقتم رسوله ، وجاهدتم فى سبيله ـ ستر لكم ذنوبكم ومحاها ، وأدخلكم فراديس جناته وأسكنكم مساكن تطيب لدى النفوس ، وتقرّ بها العيون فى دار الخلد الأبدى ، وهذا منتهى ما تسمو إليه النفوس من الفوز الذي لا فوز بعده.
ثم ذكر الفوز العاجل فى الدنيا فقال :
(وَأُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ) أي ولكم على هذا فوز فى الدنيا بنصركم على عدوكم ، وفتحكم للبلاد ، وتمكينكم منها حتى تدين لكم مشارق الأرض ومغاربها.
وقد أنجز الله وعده ، فرفعت الراية الإسلامية على جميع المعمور من العالم فى زمن وجيز لم يعهد التاريخ نظيره ، وامتلكوا بلاد القياصرة والأباطرة ، وساسوا العالم سياسة شهد لهم بفضلها العدو قبل الصديق.
ثم أمرهم بأن يكونوا أنصار الله فى كل حين ، فلا يتخاذلوا ولا يتواكلوا ، فيكتب لهم النصر على أعدائهم كما فعل حواريو عيسى فقال :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصارَ اللهِ كَما قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوارِيِّينَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ؟ قالَ الْحَوارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصارُ اللهِ) أي يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله ، فارفعوا شأن دينه ، وأعلوا كلمته ، كما فعل الحواريون أنصار عيسى حين قال لهم : من أنصارى إلى الله؟ قالوا له : نحن أنصار الله وأنصار دينه.
وقصارى ذلك ـ كونوا أنصار الله فى جميع أعمالكم وأقوالكم ، وأنفسكم وأموالكم ، كما استجاب الحواريون لعيسى.
(فَآمَنَتْ طائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ وَكَفَرَتْ طائِفَةٌ) لما بلّغ عيسى عليه الصلاة والسلام رسالة ربه إلى قومه ، ووازره من الحواريين من وازره ، اهتدت طائفة من بنى إسرائيل بما جاءهم به ، وضلت طائفة أخرى إما جحودا لرسالته ورميه هو وأمه بالعظائم كما فعل اليهود ، وإما بالغلو وإعطائه فوق ما أعطاه الله من مرتبة النبوة ؛