وأما فى الآخرة فحسبهم جهنم وبئس المهاد.
ثم ذكر ما جرأهم على الكذب والاستخفاف بالأيمان المحرجة فقال :
(ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ) أي ذلك الذي فعلوه لسوء سريرتهم ، وقبح طويتهم ، فاستهانوا بما يأتون وما يذرون ، ولم يكن همهم إلا المحافظة على دمائهم وأموالهم ، ومن ثم أظهروا للناس إيمانا وأبطنوا كفرا ، وقد ختم على قلوبهم فلا تهتدى إلى حق ، ولا يصل إليها خير ، ومن جراء ذلك عموا عما نصب من الأدلة على صدق الرسول ، وصمت الآذان عن سماع ما يوجب الإيمان ، فهم صم بكم عمى فهم لا يعقلون.
ثم ذكر ما لهم من جمال فى الصورة واعتدال فى القوام فقال :
(وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ) أي لاستواء خلقهم ، وجمال صورهم.
كما وصفهم بالفصاحة وذرابة اللسان فقال :
(وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ) لحلاوة منطقهم وحسن توقيع حديثهم فإذا سمعهم سامع أحب أن يصفى إليهم ، وأن يطول حديثهم جهد الاستطاعة.
ثم وصفهم بأن أفئدتهم هواء لا عقول لهم ولا أحلام فقال :
(كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ) أي هم أشباح بلا أرواح ، لهم جمال فى المنظر ، وقبح فى المخبر ، فسدت بواطنهم ، وحسنت ظواهرهم ، فكانت كالخشب الجوفاء التي نخرها السوس ، فهى مع حسنها لا ينتفع فيها بعمل ، ولا يستفاد منها خير ، ولله در أبى نواس :
لاتخذ عنك اللحى ولا الصّور |
|
تسعة أعشار من ترى بقر |
تراهم كالسراب منتشرا |
|
وليس فيه لطالب مطر |
فى شجر السّرو منهم مثل |
|
له رواه وما له ثمر |
ثم وصفهم بالجبن والذلة فقال :