والأحوط الاقتصار على المقدار الذي جرت عادتهن على عدم ستره (١).
______________________________________________________
ليس هو صرف النظر عن غير الزوجة والمملوكة على الإطلاق ، بل المأثور به هو حصّة خاصّة منها ، وهي صرف النظر عن غيرهما في خصوص الاستمتاعات الجنسية وما يتعلق بها من شؤون ، وفرضها في مثل هذه القضايا كالعدم.
وأما في غيرها كالبيع والشراء فلا مانع من الطمع فيهن ، فلا يقطع نظره عن معاملاتهن ، وهذا المعنى لا يتحقق على التفسير الآخر ، فإنه لو فرض أن المراد بالغضّ هو ترك النظر لما كان معنى للتبعيض فيه.
اللهمّ إلّا أن يقال : إنّ المأمور به ليس هو ترك النظر إليها على الإطلاق ، بل المراد حصة خاصة منه. لكن يدفعه أنّ تلك الحصة غير معلومة ، إذ يحتمل أن تكون هي جسدها خاصة ، كما يحتمل أن تكون هي النظر إليها مع الشهوة والتلذّذ ، وبذلك تكون الآية مجملة فلا يصح الاستدلال بها على حرمة النظر.
والحاصل أنّ هذه الآية أجنبية بالمرة عن نظر الرجل إلى المرأة أو العكس ، وإنما هي واردة في مقام الأمر بقطع نظر كل من الجنسين عن الآخر وعدم الطمع فيه فيما يختص بالاستمتاعات الجنسية.
وأما بالنسبة إلى اعتبار عدم الريبة فيمكن التمسك فيه بقوله تعالى (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. إِلّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ. فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ) (١). فإنّ الحفظ لما كان بمعنى الاهتمام بالشيء كي لا يقع في خلاف ما ينتظره ، كان مدلول الآية الكريمة أنّه لا بدّ من التحفظ على الفرج من الزنا ، وحيث أن النظر إليهن مع الريبة يجعل العورة في معرض الزنا كان مشمولاً للنهي.
(١) وإن كان الأظهر هو الجواز مطلقاً ، إذ قد عرفت أن مستند الحكم في نساء أهل الذمّة والكفار إنما هو عدم وجود حرمة لأعراضهن. ومن هنا فلا يختلف الحال بين
__________________
(١) سورة المؤمنون ٢٣ : ٥ ٧.