وتساقطت الأصنام ، ففزعوا إلى أبي طالب ; لأنّه مفزع اللاجىء وعصمة المُستجير ، وسألوه عن ذلك ، فرفع يديه مبتهلاً إلى المولّى جلّ شأنه ، قائلاً : إلهي ، أسألك بالمحمّديّة المحمودة ، والعلويّة العالية ، والفاطميّة البيضاء إلاّ تفضّلت على تهامة بالرأفة والرحمة. فسكن ما حلّ بهم ، وعرفت قريش هذه الأسماء قبل ظهورها ؛ فكانت العرب تكتب هذه الأسماء وتدعو بها عند المُهمّات ، وهي لا تعرف حقيقتها (١).
ومن هنا اعتمد عليه عبد المُطّلب في كفالة الرسول صلىاللهعليهوآله وخصّه به دون بنيه ، وقال :
وصَّيتُ مَنْ كَنَّيتهُ بطالبِ |
|
عبدَ منافٍ وهو ذو تجاربِ |
بابنِ الحبيبِ أكرمِ الأقاربِ |
|
بابن الّذي قَدْ غابَ غيرَ آيبِ |
فقال أبو طالب :
لا تُوصني بلازم وواجبِ |
|
إنّي سمعتُ أعجبَ العجائبِ |
مِنْ كُلِّ حَبرٍ عالمٍ وكاتبِ |
|
بانَ بحمدِ اللّهِ قولُ الرَّاهبِ (٢) |
فقال عبد المُطّلب : انظر يا أبا طالب ، أنْ تكون حافظاً لهذا الوحيد الّذي لم يَشمّ رائحة أبيه ، ولم يذقْ شفقة اُمّه ، انظر أنْ يكون مِن جسدك بمنزلة كبدك ؛ فإنّي قد تركت بنيّ كُلَّهم وخصصتك به ؛ لأنّك من اُمّ أبيه. واعلم فإنّ استطعت أنْ تتبعه فافعل ، وانصره بلسانك ويدك ومالك ؛ فإنّه واللّه ، سيسودكم ويملك ما لا يملك أحد من آبائي ، هل قبلت وصيّتي؟
قال : نعم ، قد قبلتُ ، واللّه على ذلك شاهد.
__________________
(١) روضة الواعظين / ٧٨ ، مناقب آل أبي طالب ٢ / ٢٢ ، الدّر النّظيم / ٢٣١.
(٢) مناقب آل أبي طالب ١ / ٣٤ ، بحار الأنوار ٣٥ / ٨٥ ، الدّر النّظيم / ٢١١.