مُتجرّداً عمّا يحجبه عن مُشاهدة المهيمن سبحانه ، فانياً في سبيل خدمة المولى ، لا يرى في الوجود غير منشئ الأكوان ; استحقّ أنْ يهبه البارئ تعالى أرقى صفة تليق بهذا المقام.
ومن هنا نرى الرسول المسيح قدّم عبوديته على رسالته ، فقال : (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيّاً) (١).
وأنت لا تفتأ في جميع الفرائض والنّوافل في اليوم والليل تشهد بأنّ محمّداً عبدُهُ ورسولُهُ ، ولم تقلْ : خاتم الأنبياء ، أو علّة الكائنات ، أو سرّ الموجدات ، أو حبيب اللّه وصفيّه ، مع أنّها صفات لا تليق إلاّ بذاتٍ اشتُقّت من نور القُدس ، ولكنّك عرفت أنّ أسمى هذه الصفات ، وأجلَّ ما يليق بالعبد حال اتصاله بالمبدأ الأعلى ، هو وصفُهُ بالعبوديّة لمولاه.
ومن هنا ظهر لنا إنّ من أجلى الحقائق ، وأرقى مراتب الفضل الذي لا يُحلّق إليهِ طائرُ الفكر ، ولا يُدرك مداه أيُّ تصوّرٍ ، غير أنّ من الواجب التصديق به على الجملة ، هو وصفُ سيّدنا العبّاس عليهالسلام بهذه الصفة الكاملة (العبد الصالح) ، التي أضافها اللّه تعالى إلى أنبيائهِ ومُبلِّغي شريعته ، واُمنائه على وحيه ، ومنحَهُ بها الإمام الصادق عليهالسلام.
__________________
(١) سورة مريم / ٣٠.