المبرح ونحيب ونشيج ، وصراخ وعولة.
والعقيلة في كُلّ هذه الأحوال هي المُهدّئة لفورتهنَّ ، والمُسكّنة لروعتهنّ ، فلم يُشاهَد منها عزم خائر ولا جأش مائر ، ولا صرخة عالية ولا ذهول عن أمر الحرم.
كيف! وهي بقيّة أمير المؤمنين عليهالسلام ، ونائبة الحسين عليهالسلام على تلكم الأحوال ، والنّاهضة الكريمة إلى مغزى أخيها ، والمتمّمة لقصده الراقي وأمره الرشيد.
نعم ، أهمها من بين ذلك شيء رأته ; نظرت إلى ابن أخيها السجّاد عليهالسلام يجود بنفسه حينما شاهد تلك الجثث الزواكي تصهرها الشمس ، فعظم عليها أمر الإمام عليهالسلام ، فأخذت تُصبّره وتُسلّيه ، وهو الذي لا توازن بصبره الجبال. وفيما قالت له مالي أراك تجود بنفسك يا بقيّة جدّي وأبي وإخوتي؟
فقلت عليهالسلام : «وكيف لا أجزعُ ولا أهلعُ وقد أرى سيّدي ، وإخوتي وعمومتي ، ووُلدَ عمِّي وأهلي مُصرَّعينَ بدمائهم ، مُرمَّلينَ بالعراء ، مُسلَّبين لا يُكفّنون ولا يوارَون ، ولا يعرج عليهم ولا يقربُهُم بشرٌ ، كأنَّهم أهلُ بيتٍ من الدَّيلم والخزر!».
فقالت : لا يجزعنَّك ما ترى ، فواللّه ، إنّ ذلك لعهدٌ من رسول اللّه صلىاللهعليهوآله إلى جدّك وأبيك وعمّك ، ولقد أخذ اللّه ميثاق اُناس من هذه الاُمّة لا تعرفهم فراعنة هذه الأرض ، وهم معروفون في أهل السّماوات ، إنّهم يجمعون هذه الأعضاء المُتفرّقة ، والجسوم المُضرّجة فيوارونها ، وينصبون بهذا الطَّفِّ علماً لقبر أبيك سيّد الشهداء عليهالسلام لا يدرس أثره ، ولا يعفو رسمه على كرور الليالي والأيام ، وليجتهدنّ أئمّةُ الكفر وأشياع الضلالة في محوه وتطميسه