تبيّن فيما سبق أن الشيعة الامامية يقرّون بثبوت الشفاعة ووقوع العفو الالهي لمرتكب الكبيرة ، وأن مرتكب الكبيرة لا يخرج بالمعصية عن الايمان ، وهذا يدل على أنهم قائلون بانقطاع عذاب مرتكب الكبيرة ، وأنه لا يخلد في النار ، قال الشيخ المفيد : إتفقت الامامية على أن الوعيد بالخلود في النار متوجه إلى الكفار خاصة دون مرتكبي الذنوب من أهل المعرفة بالله تعالى والاقرار بفرائضه من أهل الصلاة... وإتفقت الامامية على أن من عذب بذنبه من أهل الاقرار والمعرفة والصلاة لم يخلد في العذاب ، وأخرج من النار إلى الجنة ، فينعم فيها على الدوام. ١ وقال نحو هذا القول ابن نوبخت والخواجة الطوسي وغيرهما. ٢
١. قوله تعالى : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ).
وتقرير الاستدلال : أن المطيع بايمانه إذا فعل معصيةً استحق ثواباً وعقاباً لبطلان التحابط ، فإما أن يكونا دائمين أو منقطعين أو أحدهما دائماً والآخر منقطعاً ، والأول باطل لاستلزامه اجتماع الضدين ، والثاني يلزم منه المطلوب ضمناً ، والثالث إما أن يكون المنقطع هو الثواب وهو باطل بالاجماع ، فتعيّن انقطاع العذاب وهو المطلوب.
٢. قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ... ). ٣
والكبيرة دون الشرك بلا خلاف ، وحينئذ نقول : سلب قوله تعالى الغفران عن الشرك ، وأثبته لما دونه ، فدلّ على الفرق بينهما ، فلو كان عقابه دائماً
________________
١. أوائل المقالات ، ص ٤٦ ، ٤٧.
٢. راجع : شرح الياقوت ، ص ١٧٤ ؛ شرح التجريد ، ص ٤٤٠ ؛ اللوامع الالهية ، ص ٣٩٥ ، ٣٩٦ ؛ الاعتقادات ، ص ٧٧ ؛ المنقذ من التقليد ، ج ٢ ، ص ٢٧.
٣. النساء ، ٤٨.