إطلاق الوكالة التصرّف في البيع بثمن المثل فصاعداً والشراء به فنازلاً ، فلا مانع من اشتراط ما ينافيها لاندراجه تحت أدلّة الوفاء بالعقود والشروط.
والفرقُ بين هذه المقتضيات : أنّ ما تقتضيه الذات مستحيلُ التخلّف والانفكاك ، فيلزم من فواته الفوات ، فلو شرط خلافه بطل ؛ لإخراجه العقد عن الموضوع وبطلان التابع ببطلان المتبوع ، وأنّ ما يقتضيه الإطلاق قابل شرعاً للتغيير والتقييد بالشروط وسائر المقيّدات ؛ لعدم إخراجها عن الموضوع فتندرج في أدلّة الوفاء بالعقود والشروط ، كما هو معلوم مِنْ تتبّع موارد الفروع.
ولهذا جاز مخالفة الإطلاقات بالشروط والمقيّدات ، كتقييد الموصي بالمال بجهة معيّنة وكيفيّة خاصّة وأوقاتٍ خاصّة ، وشرط الأجل في العوض والمعوّض على وجه لا يستلزم تجهّلهما ، وتقييد الأعواض ببعض النقود وإنْ لم تتعارف في البلد المعهود ، وتقييد الأداء والتسليم مطلقاً بغير البلد ، واشتراط نفقة العامل في عقد المضاربة على نفسه كلّاً أو بعضاً ، وتقييد كون شخص وصيّاً بزمانٍ أو مكان ، واستقلال أو اجتماع ، أو على بعض المنافع أو بعض الأعيان ، إلى غير ذلك من القيود والشرائط الموافقة للسنّة والقرآن.
إذا انتقش هذا في لوح الفطنة السليمة والفطرة المستقيمة غير السقيمة ، فلا إشكال حينئذ في جواز الوصية على الوجه المذكور ، كما اقتضاه نظركم الحديد ورائكم السديد ، لوجود المقتضي وزوال المانع.
أمّا المقتضي ؛ فلاندراجها في إطلاق ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، وعموم قوله تعالى ( فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ ) (٢) ، وقوله تعالى ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِها أَوْ دَيْنٍ ) (٣) ، وقوله تعالى ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ ) (٤) ، وعموم قوله تعالى ( فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ ) (٥) ، وقوله تعالى ( وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ ) (٦).
__________________
(١) المائدة : ١.
(٢) البقرة : ١٨١.
(٣) النساء : ١١.
(٤) البقرة : ١٨٠.
(٥) البقرة : ١٤٨.
(٦) الطلاق : ٦.