وأما المسألة الخامسة : فالظاهرُ من كلمات علمائنا الأبرار ، وأخبار الأئمّة الأطهار هو انعقاد الجمعة بمَنْ حضرها ، ممّن لم يتعيّن عليه الحضور ، كما هو ظاهرٌ غاية الظهور.
ويدلُّ عليه كلُّ ما دلّ على وجوبها عند اجتماع الشروط ، وفَقْدِ الموانع ؛ إذ قصارى ما يتوهّم منه المانعيّة عدمُ تعيّن الحضور عليهم في هذِهِ القضية الشخصيّة. وهو غيرُ صالحٍ للمانعيّة، إذ أصلُ الوجوب خالٍ عن المعارض ، وما توهّم من المنع غيرُ ناهضٍ ، حتى على القول بعدم وجوب الحضور مطلقاً ، أو النائي خاصّة ؛ لأنّ مقتضى الأدلّة سقوط تعيّن الحضور للجمعة ، لا سقوط أصل التكليف بها مطلقاً. ولهذا لو نصب الإمام لِمَنْ بَعُدَ عن بلده بفرسخٍ مَنْ يصلِّي بهم ، وجب عليهم الاجتماع، بلا خلافٍ ولا نزاع.
فهذا ما يتعلق بفروع المسألة مفصّلة غير مجملة.
وأمّا قول السائل الفاضل : ( وعلى الأول يعني : بقاؤها واجبة فهل تسقط الظهر أم لا؟ ).
فلا يخفى على المفضال سقوطُ الظهر معها بلا إشكال ، والله العالمُ بحقيقةِ الحال.
وينبغي التنبيهُ على أمرينِ من المهامّ ، ويحسنُ بهما الختامُ :
الأوّلُ : قد اشتمل صحيحُ الحلبي على قوله عليهالسلام حكاية فعل أمير المؤمنين عليهالسلام ـ « وخطب خطبتين ، جمع فيهما خطبة العيد والجمعة » (١). وهو يحتمل وجوهاً :
الأوَّلُ : أنْ يُرادَ بالجمع المذكور ذكرهُ في خطبتي العيد ، ما ينبغي ذكرُهُ في خطبة العيد ، من فطرةٍ أو أُضحيّة ؛ وما ينبغي ذكرُهُ في خطبة الجمعةِ من الأُمورِ الموظّفة الشرعيّة.
الثاني : أنّه عليهالسلام اكتفى بخطبتي العيد عن الخطبة للجمعة ، لأنَّ خطبة العيد بعد صلاته ، وخطبة الجمعةِ قبلها كما هو المشهورُ ، بل المجمع عليه ، إلّا عن ظاهر الصدوق رحمهالله (٢) فيمكن كونُ الخطبتين قبل الزوال ، بحيث يكونُ الفراغُ منها عند أوّلِ
__________________
(١) الفقيه ١ : ٣٢٣ / ١٤٧٧.
(٢) الفقيه ١ : ٢٧٨ / ١٢٦٣ ، الوسائل ٧ : ٣٣٢ ٣٣٣ ، أبواب صلاة الجمعة ، ب ١٥ ، ح ٣ ، وقال في ذيله : ( أقول : هذا غريب ، لم يروه إلّا الصدوق ، ولا يبعد أن يكون لفظ الجمعة غلطاً من الراوي أو من الناسخ واصلة يوم العيد ). وكذلك في الجواهر ١١ : ٢٢٩.