ومورد الثانية أنّما هو اشتغال الذمّة بالصيام والصلاة في وقتها ، ولا يحصل يقين البراءة بالإفطار والصلاة قبل زوال الحمرة ؛ لجواز عدم دخول الوقت ، وبزوالها يحصل اليقين قطعاً ، وغير خفيّ على نبيل أنّ ما نحن فيه ليس من هذا القبيل ، ولا انسلاك له في سلك هذا السبيل.
الثاني : قيام الدليل من الطرفين مع تعارضهما بلا مرجّح في البين ، كما نطقت به المرفوعة الزراريّة ، حيث قال فيها عليهالسلام بعد التساوي في جملة من المرجّحات ـ : « خُذْ بما فيه الحائطة لدينك ، واترك ما خالف الاحتياط » (١).
وأنت عليم بأنّه ما أمر عليهالسلام بالاحتياط إلّا بعد التساوي في تلك المرجّحات ، وما نحن فيه ليس كذلك ، إذ الجهر موافق لشعار الإماميّة ومخالف لتلك الفرقة الغويّة ، وأمّا ما ورد من الأخبار مطلقاً في الأمر بالاحتياط كقوله عليهالسلام : « أخوك دينك فاحتط لدينك » (٢) و « دع ما يريبك » (٣) فما فيها من الإجمال بالإطلاق أوجب حملها على المقيّد البيّن بلا إشكال للاتّفاق.
وأمّا قوله : ( وأبو الصلاح وابن إدريس مانع من الجهر ، وابن البرّاج قد علمت أنّه لا يوجب إلّا في الأُوليين ) ، فقد مرّ ما فيه من أنّ أبا الصلاح قائل بالوجوب حتى في الأخيرتين.
وحينئذٍ ، يدور الأمر بين الوجوب والاستحباب ، فيكون الاحتياط في الجهر بلا ارتياب ، كما مرّ التصريح به من بعض المحقّقين ؛ لضعف دليل التحريم وقوّة الاستحباب. وابنُ البرّاج وإنْ قصر الوجوب على الأُوليين إلّا إنّه حاكم بالاستحباب في الأخيرتين ، وخلافُ ابن الجنيد في المنفرد شامل للموضعين ، فالخلاف في الأخيرتين لم يقع إلّا من الحلّي ، وهو ليس مبنيّاً على أصل جليّ.
ثمّ قال سقاه [ الله ] من رحيق التحقيق لطريقة الآل ـ : ( لا يقال : إنّ الشهرة أمارة الرجحان فيقوى الظنّ [ فيها (٤) ] ؛ لأنّا نقول : إنّ الشهرة لا تكون مرجّحة إلّا في نقل الرواية ،
__________________
(١) غوالي اللئلئ ٤ : ١٣٣ / ٢٢٩. (٢) الأمالي ( الطوسي ) : ١١٠ / ١٦٨.
(٣) الذكرى : ١٣٨. (٤) في المخطوط : ( فيهما ) ، وما أثبتناه من المصدر.