والحركات والسكنات البدنيَّة ، حيث إنّ الله تعالى بمنِّه وحكمته الظاهرة والخفيَّة ، جعل لكلّ شيء دليلاً يدلّ عليه ؛ لحِكَمٍ ومصالحَ لديه في كلّ شيء بحسبه وملائمه ومناسبه.
ولهذا قال سيد الموحدين وسند العارفين عليهالسلام : « ما أضمر أحدُكم شيئاً إلّا [ ظهر (١) في فلتأت لسانه ، وصفحات وجهه » (٢). فإنّ النفس وإن كان لها مزيد عناية شديدة ورغبة أكيدة ، في حفظ الأُمور التي تضرّها ، وتحافظ عليها وتسترها عمّن يطّلع عليها ؛ لما تتصوّره من المصالح والمقاصد لديها ، إلّا إنّها قد تنصرف إلى مهمّ آخر ، فتغفل حينئذٍ عن ملاحظة وجه المصلحة في كتمانه ، وسبب ستره وعدم إعلانه ، فتنقلب المتخيّلة من أسر العقل ، وتنبعث الشهوة إلى التكلّم به. فإذا ظهرت تلك الأمارات الظاهريّة استدلّ بها على ثبوت ما استلزمته من القُصُود الباطنيّة.
فالموكِّلُ إذا عزم على الطلاق المقصود منه الفراق ، ثمّ ظهرت منه أمارات قصد الاتّفاق ، فهو دليل العدول عن الوكالة ، ولا دليل أدلّ من المطلوب من الجماع كما هو طافح المقالة ، وواضح الدلالة لمن أصلح الله باله.
وممّا يؤيّد المطلوب غايةً ويؤكّده نهايةً الاحتياط ، حيث إنّ من مواضع وجوبه على ما حقّقه مشايخنا الأعلام حشرهم الله مع أئمّتهم في دار السلام ما إذا شكّ في انتظام بعض الأفراد الجزئيّة في سلك قاعدة كلّية قد اتّصف حكمها بالمعلوميّة.
وما نحن فيه من هذا القبيل ، كما لا يخفى على نبيه نبيل ، حيث قد تحقّق الحكم في القاعدة الناطقة ببطلان الوكالة بفعل الموكّل ما ينافيها ، وشكّ في هذا الفرد للجري في فيافيها فلا مناص عن [ ترك الوطء (٣) ] فيها تحصيلاً للاحتياط الّذي يؤمن به من الاختباط ، ويسلك به سوي ذلك الصراط ، سيّما مع حثّ الأخبار والنصوص على سلوك سبيله في الفروج بالخصوص ، كرواية شعيب الحذّاء قال : قلت لأبي
__________________
(١) ] من المصدر ، وفي المخطوط : « أظهره الله ».
(٢) نهج البلاغة / قصار الحكم : ٢٦.
(٣) في المخطوط بياض ، والظاهر ما أثبتناه.