ومن الواضح أنّ الشكّ في الثلاثة الأُوَل شكّ بعد خروج الوقت ، كما أنّ من المعلوم اعتبار قاعدة الشكّ بعد خروج الوقت وعدم الاعتناء به كقاعدة الشك بعد تجاوز المحلّ ، ومع ذلك لم يجروها لمجرّد العلم الإجمالي.
وبالجملة ، فإنّ ما يظهر منهم إجراء هذه القاعدة في الشكوك البدويّة الاستقلاليّة ، لا المتولّدة من العلم الإجمالي سواء ترتّب على طرفيه الأثر أم لا. ولعلّ السرّ فيه مع وضوح الجريان لا سيما فيما إذا لم يترتّب الأثر على أحد الطرفين أنّ اعتبار القاعدة عندهم من باب الظهور النوعي ، كما ربّما يظهر من قولهم عليهمالسلام في بعض روايات القاعدة : « [ هو (١) ] حين [ يتوضّأ (٢) ] أذكر » (٣).
والظهور المزبور إنّما يتحقّق في الشكّ البدوي ، أمّا المتولّد في العلم الإجمالي فلا يمكن دعوى الظهور فيه ؛ لأنّ الظهور في كلّ من الطرفين معارض به في الطرف الآخر ؛ لأنّه كما أنّ الظاهر من حال المسلم الإتيان بالوضوء الواجب بأجزائه وشرائطه ، كذلك الظاهر منه الإتيان بالوضوء التجديدي.
فدعوى الظهور في أحدهما دون الآخر تحكّم ؛ لأنّ منشأ هذا الظهور هو الغلبة ، ومن المعلوم انتفاؤها في الفرض ، فأحد طرفي العلم الإجمالي وإنْ لم يترتّب عليه أثر إلّا أنّه يوجب رفع ما هو مناط الاعتبار في الطرف الآخر. نظير ما ذكروه من أنّ الأخبار على تقدير اعتبارها من باب الظهور النوعي ، إذا حصل التعارض بينها يكون مقتضى القاعدة التوقّف. وحينئذ ، فلا اعتبار للقاعدة في الطرف الآخر وإنْ ترتّب عليه الأثر ؛ لانتفاء مناط الاعتبار فيه ؛ لمعارضته بمثله وإنْ لم يترتّب عليه أثر.
ثمّ إنّا وإنْ لم نضايق في إجرائها فيما يترتّب عليه الأثر إذا لم يترتّب على الآخر ، إلّا إنّا أيضاً لا نعتبرها فيما إذا ترتّب على الطرفين ، كما فيما نحن فيه ، فلا تجري القاعدة.
__________________
(١) في المخطوط : ( لأنّه ) ، وما أثبتناه من المصدر.
(٢) في المخطوط : ( الفعل ) ، وما أثبتناه من المصدر.
(٣) التهذيب ١ : ١٠١ / ٢٦٥ ، الوسائل ١ : ٤٧١ ، أبواب الوضوء ، ب ٤٢ ، ح ٧.