ومن أمثلة الثاني ما إذا توضّأ وضوءاً واجباً مبيحاً للدخول في الفريضة مثلاً ، ثم جدّده بقصد الوضوء التجديدي ، فصلّى ثم تيقّن نقصان بعض أجزاء أحدهما بحيث يوجب بطلانه. فإنْ قلنا بإباحة التجديدي للصلاة فلا ثمرة ؛ لأنّ الصلاة التي صلّاها بهما صحيحة على كلا التقديرين ، وإنْ قلنا بعدمها كان مثالاً لما نحن فيه ، فإنّ أحد الطرفين وهو بطلان الوضوء التجديدي لا يترتّب عليه أثرٌ ، بخلاف الطرف الآخر ، فإنّ بطلان الوضوء الواجب يوجب إعادة الصلاة على هذا الفرض.
ومن الواضح أنّ المنع من إجراء القاعدة في هذه الصورة التي لا يترتّب على المعارض فيها أثرٌ أصلاً يستلزم المنع من إجرائها على الطريق الآخر بطريق أولى ؛ لأنّ المنع من مخالفة العلم الإجمالي المشتمل على المخالفة القطعيّة أوْلى ممّا لم يشتمل عليها. ثم إنّ مسألة الوضوء المشار إليها قد عنونها غير واحد ، وحكموا فيها ببطلان الصلاة التي صلّاها به على تقدير عدم إباحة التجديدي.
نعم ، حكي (١) عن ( المنتهى ) (٢) احتمال الصحّة ، وإلّا فالباقون ممّن تعرّض لها حاكمون بالبطلان مع ظهور أنّ الشكّ في الوضوء الأوّل شكّ في المبطل بعد الفراغ ، وهو سليم عن المعارض الذي يترتّب عليه أثر ، ومع ذلك أعرضوا عن إجراء القاعدة فيه وحكموا بالبطلان ، وليس ذلك إلّا لقدح العلم الإجمالي في جريانها وإنْ لم يترتّب الأثر إلّا على أحد الطرفين فضلاً عمّا لو ترتّب عليهما.
وكذا حكموا فيمن صلّى خمس صلوات كلّ صلاة بوضوء مستقلّ ثم تيقّن بطلان واحد من الوضوءات ولم يعلمه بعينه ببطلان الجميع (٣) ، مع أنّ من جملة فروضه وقوع الشك المزبور ، بعد خروج وقت البعض وبقاء وقت البعض الآخر ، كأن يعلم قبل انتصاف الليل ببطلان واحد من وضوء الصبح أو الظهر أو العصر أو المغرب أو العشاء.
__________________
(١) المدارك ١ : ٢٦١ ، الحدائق ٢ : ٤٠٤ ، الجواهر ٢ : ٣٧٣.
(٢) المنتهى ١ : ٧٥.
(٣) المبسوط ١ : ٢٥.