فائدة
إنّما ورد في الأحاديث : « طلب العلم فريضة على كلّ مسلم » (١) ولم يرد « على كلّ بالغ عاقل » لأنّ حكمته تعالى اقتضت أن يكون تعلّق التكاليف بالناس على التدريج ، بأن يكلّفوا أوّلا بالإقرار بالشهادتين ، ثمّ بعد صدور الإقرار عنهم يكلّفون بسائر ما جاء به النبيّ صلىاللهعليهوآله.
من الأحاديث الدالّة على ذلك صحيحة زرارة المذكورة في الكافي ـ في باب معرفة الإمام والرّد إليه ـ عن زرارة قال : قلت لأبي جعفر عليهالسلام : أخبرني عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقال : إنّ الله عزوجل بعث محمّدا صلىاللهعليهوآله إلى الناس أجمعين رسولا وحجّة لله على جميع خلقه في أرضه ، فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله واتّبعه وصدّقه فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه ، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ولم يعرف حقّهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقّهما؟ قال : قلت : فما تقول فيمن يؤمن بالله ورسوله ويصدّق رسوله في جميع ما أنزل الله أيجب على اولئك حقّ معرفتكم؟ قال : نعم ، أليس هؤلاء يعرفون فلانا وفلانا؟ قلت : بلى ، قال : أترى أنّ الله تعالى هو الّذي أوقع في قلوبهم معرفة هؤلاء؟ والله ما أوقع ذلك في قلوبهم إلّا الشيطان ، لا والله! ما ألهم المؤمنين حقّنا إلّا الله عزوجل (٢) *.
______________________________________________________
أنّ « ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم » ثمّ قال : فالشريعة دلّتنا على أنّه كانت الأشياء قبلها على الإباحة الأصليّة. وهذا الكلام غير مستقيم ، لأنّ المفهوم من الأحاديث : أنّ الشريعة دالّة على أنّ كلّ شيء لم يصل علمه إلى المكلّف بفعل أو ترك فهو مباح له وموضوع عنه تكليفه إلّا بعلمه بأنّه مباح ، ولا يلزم من ذلك أنّ الأمر الّذي ثبتت إباحته بهذا الوجه أن يكون أصله في الشرائع كلّها مباحا ، لأنّ كثيرا منها عرض لها التغيّر والتبدّل في الشرائع ، وربما صار الحرام مباحا وضدّه بحسب تغيّر الشرائع والملل ، لأنّ الأحكام منوطة بحكم الشارع.
* كلّ ما جاء به الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم من التكاليف فهي عامّة لكلّ بالغ عاقل موجود وقت
__________________
(١) الكافي ١ : ٣٠ ، ح ١.
(٢) الكافي ١ : ١٨٠ ، ح ٣.