لي من الروايات : طلب العلم فريضة على كلّ مسلم في كلّ وقت بقدر ما يحتاج إليه في ذلك الوقت ، ولا يجب كفاية طلب العلم بكلّ ما يحتاج إليه الامّة كما قالته العامّة ، لأنّه غير منضبط بالنسبة إلى الرعيّة ، والتكليف بغير المنضبط محال كما تقرّر في الاصول في مبحث علّة القياس ، بل يفهم من الروايات أنّ علم الرعيّة بجميع ذلك من المحالات.
نعم ، مقتضى حكمته تعالى أن يوفّق لكلّ وقت من أوقات الغيبة الكبرى رعيّته (١) لتحصيل الأحاديث المسطورة في الاصول الممهّدة ، لتدلّ الشيعة على الحقّ الصريح أو على الاحتياط على كيفيّة مخصوصة. ويجب كفاية على أهل هذه القدرة من كلّ قطر إذا احتاجوا إلى مسألة أن ينفروا إليه لأخذها أو يعرضوها عليه ليجيئهم جوابها من عنده ، ثمّ لو لم يقدر أحد على الوصول إليه أو لم يبلغه خبره لكان حكمه مثل حكم من كان في زمن النبيّ صلىاللهعليهوآله أو الإمام الظاهر ـ صلوات الله عليه ـ.
وثانيها : أنّ الروايات صريحة في أنّ « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » (٢) وفي أنّ « ما حجب الله علمه عن العباد فهو موضوع عنهم » (٣) فالشريعة دلّتنا على أنّه كانت الأشياء قبلها على الإباحة الأصلية.
وثالثها : أنّ الأحاديث الصريحة في وجوب التوقّف بعد ورود الشريعة في كلّ واقعة لم يكن حكمها بيّنا والصريحة في حصر الامور بعد ورود الشريعة في ثلاثة وفي وجوب التوقّف بعد ورود الشريعة في الشقّ الثالث ـ وهو ما لم يكن حكمه بيّنا ـ قد ذهبت بفائدة وضع هذا الباب. هكذا ينبغي أن تحقّق هذه المباحث ، والله الموفّق *.
______________________________________________________
* هذا من جملة الوجوه الّتي استدلّ بها على أنّه لا طائل للنزاع في إثبات الحظر أو الإباحة في أصل الأشياء ، والحال أنّ إثبات الإباحة فيها بدليل العقل إذا انضمّ إليه دليل الشرع أفاد القطع والجزم بثبوتها في كلّ ما لم يرد فيه حكم بالخصوص ، لأنّ دليل الشرع وحده ربما لا يفيد ذلك ، فالفائدة ظاهرة والمصنّف ينفي الفائدة ويجعل ذلك التحقيق ويتحمّس به. وقبل الوجه الثالث في الوجه الثاني قال : الروايات صريحة في أنّ « كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي » وفي
__________________
(١) ط : رعيّة.
(٢) الفقيه ١ : ٣١٧ ، ح ٩٣٧.
(٣) التوحيد : ٤٠١ ، ح ٩.