المناقشة والمباحثة لدى المقايسة والموازنة خصلة أجمع لفضائل الدين والدنيا ولا أشدّ تصفية لأقذاء العقل ولا أقمع لخواطر الجهل ولا ادعى إلى اقتناء كلّ محمود ونفي كلّ مذموم من العلم بالدين ، وكيف لا يكون كذلك ما من الله عزوجل سببه ورسوله صلىاللهعليهوآله مستودعه معدنه واولى النهى تراجمته وحملته؟ وما ظنّك بشيء الصدق خلقه (١) والذكاء والفهم آلته والتوفيق والحلم قريحته واللين والتواضع سجيّته ، وهو الشيء الّذي لا يستوحش معه صاحبه إلى شيء ولا يأنس العاقل مع نبذه شيء ، ولا يستخلف منه عوضا يوازيه ، ولا يعتاض منه بدلا يدانيه ، ولا تحول فضيلة ولا تزول منفعة. وأنّى لك بكنز باق على الإنفاق ولا تقدح فيه يد الزمان ولا تكلّمه غوائل الحدثان ، وأقلّ خصاله الثناء له في العاجل مع الفوز برضوان الله في الآجل ، وصاحبه على كلّ حال مقبول وقوله وفعله محتمل محمول ، وسببه أقرب من الرحم الماسّة ، وقوله أصدق وأوثق من التجربة وادراك الحاسّة ، هو ينجوه من تسليط التهم وتحاذير الندم. وكفاك من كريم مناقبه ورفيع مراتبه. إنّ العالم بما أدّى من صدق قوله شريك لكلّ عامل به في فعله. انتهى ما أردنا نقله عن أوّل كتاب المحاسن لأحمد بن أبي عبد الله البرقي قدسسره (٢).
وفي آخر كتاب السرائر لمحمّد بن إدريس الحلّي رحمهالله : ومن ذلك ما استطرفناه من كتاب المحاسن تصنيف أحمد بن أبي عبد الله البرقي :
بسم الله الرحمن الرحيم ، قال أحمد بن أبي عبد الله البرقي في خطبة كتابه الّذي سمّاه بكتاب المحاسن :
أمّا بعد ، فإنّ خير الامور أصلحها ... (٣) إلى آخر ما نقلناه.
[ ما ذكره الشيخ الصدوق في أوّل كتاب من لا يحضره الفقيه ]
وذكر شيخنا الصدوق محمّد بن عليّ بن بابويه في أوّل كتاب من لا يحضره الفقيه :
__________________
(١) في المصدر : خلّته.
(٢) لم ترد هذه الخطبة في أوّل المحاسن المطبوع ، وإنّما نقلها مصحّح الكتاب عن مستطرفات السرائر.
(٣) السرائر ٣ : ٦٤١.