حدّثنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضى الله عنه قال حدّثنا محمّد بن الحسن الصفّار عن إبراهيم بن هاشم ، عن إسماعيل بن مرّار ، عن يونس بن عبد الرحمن ، عن حمّاد بن عبد الأعلى قال : قلت لأبي عبد الله عليهالسلام أصلحك الله! هل جعل في الناس أداة ينالون بها المعرفة؟ قال ، فقال : لا. قلت : فهل كلّفوا المعرفة؟ قال : لا ، على الله البيان لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها ولا يكلّف الله نفسا إلّا ما آتاها. وسألته عن قول الله عزوجل : ( وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَداهُمْ حَتّى يُبَيِّنَ لَهُمْ ما يَتَّقُونَ ) (١) قال : حتّى يعرّفهم ما يرضيه وما يسخطه (٢).
وبهذا الإسناد عن يونس بن عبد الرحمن ، عن سعدان يرفعه إلى أبي عبد الله عليهالسلام قال : إنّ الله عزوجل لم ينعم على عبد بنعمة إلّا وقد ألزمه فيها الحجّة من الله عزوجل ، فمن منّ الله عليه فجعله قويّا فحجّته عليه القيام بما كلّفه واحتمال من هو دونه ممّن
______________________________________________________
وأمثاله إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ في القرآن والحديث بأنّها من فعله.
وأمّا ما تضمّنه الحديث ممّا يتعلّق بالرسول ـ صلوات الله عليه ـ فلا شكّ أنّ الله ـ سبحانه ـ إذا تعلّقت حكمته بوجود فعل من العبد في وقته لمصلحة تقتضي وجوده منه فلا بدّ من وجوده ، ولا يخرج بذلك فعل العبد عن الاختيار. وقوله عليهالسلام في أثناء الحديث : « إنّ الله يهدي ويضلّ » وقوله قبله : « لا أقول أنّهم ما شاءوا صنعوا » إن حملنا على ظاهره فهو عين الخبر الّذي تعتقده الأشاعرة. وقد وقع مثله في القرآن وأوّلته المعتزلة والشيعة بما يوافق الحقّ ، وهو في القرآن ربما أكثر منه مما وقع في الحديث. ولو كان التأويل يستلزم محذورا كان ذلك في القرآن أظهر. ولو استلزم خللا في الهداية كان أيضا فيه أبلغ ، لأنّه أصل الهداية. ومع هذا الاشتباه لم يحف (٣) الحقّ عن المجتهدين في طلبه ، ولله الحمد.
وقوله عليهالسلام : « وكلّ شيء امر الناس به فهم يسعون له وكلّ شيء لا يسعون له فهو موضوع عنهم » فيه دلالة واضحة على سعة الرجوع إلى الظنّ في أحكام التكليف عند تعذّر العلم أو تعسّره ، فإيراد المصنّف هذا الحديث لظنّه موافقة اعتقاده إن كان بما يتعلّق بمذهب الأشاعرة فالحكم لله في حقّه ، وإن كان لغير ذلك فقد بيّنّا دلالته على خلاف ما يتوهّمه ويقرّره ويكرّره بأوضح بيان.
__________________
(١) التوبة : ١١٥.
(٢) التوحيد : ٤٠٢ ، ح ١١.
(٣) في الأصل : لم يخيف ، وفي نسخة الهامش : لم يحيف.