ورجلاه وعيناه وشفتاه ولسانه واذناه ، وخزانته معدته وبطنه ، وحجابه صدره. فاليدان عونان يقرّبان ويبعّدان ويعملان على ما يوحي إليهما الملك. والرجلان ينقلان الملك حيث يشاء. والعينان يدلّان على ما يغيب عنه ، لأنّ الملك من وراء حجاب لا يوصل إليه إلّا بهما وهما سراجاه أيضا. وحصن الجسد وحرزه الاذنان لا يدخلان على الملك إلّا ما يوافقه ، لأنّهما لا يقدران أن يدخلا شيئا حتّى يوحي الملك إليهما ، فاذا أوحى إليهما أطرق الملك منصتا لهما حتّى يسمع منهما ، ثمّ يجيب بما يريد ، فيترجم عنه اللسان بأدوات كثيرة ، منها ريح الفؤاد وبخار المعدة ومعونة الشفتين ، وليس للشفتين قوّة إلّا بالأسنان وليس يستغنى بعضها عن بعض ، والكلام لا يحسن إلّا بترجيعه في الأنف ، لأنّ الأنف يزيّن الكلام كما يزيّن النفخ المزمار. وكذلك المنخران هما ثقبتا الأنف يدخلان على الملك ممّا يحبّ من الرياح الطيّبة فإذا جاءت ريح تسوء على الملك أوحى إلى اليدين فحجبا بين الملك وتلك الريح. وللملك مع هذا ثواب وعقاب. فعذابه أشدّ من عذاب الملوك الظاهرة القاهرة في الدنيا ، وثوابه أفضل من ثوابهم. فأمّا عذابه فالحزن ، وأمّا ثوابه فالفرح ، وأصل الحزن في الطحال ، وأصل الفرح في الثرب والكليتين. ومنهما عرقان موصلان إلى الوجه ، فمن هناك يظهر الفرح والحزن ، فترى علامتهما في الوجه. وهذه العروق كلّها طرق من العمّال إلى الملك ومن الملك إلى العمّال ، ومصداق ذلك أنّه إذا تناولت الدواء أدّته العروق إلى مواضع الداء بإعانتها (١). انتهى ما أردنا نقله من الرسالة الشريفة.
وقول أبي عبد الله عليهالسلام (٢) المذكور في اصول كتاب الكافي ـ في باب أنّ الإيمان مبثوث بجوارح البدن كلّها ـ : أبو عمرو الزبيري ، قال ، قلت له : إنّ الإيمان ليتمّ وينقص ويزيد؟ قال : نعم ، لأنّ الله تبارك وتعالى فرض الإيمان على جوارح ابن آدم وقسّمه عليها ، فمنها : قلبه الّذي به يعقل ويفقه ويفهم ، وهو أمير بدنه الّذي لا ترد الجوارح ولا تصدر إلّا عن رأيه وأمره (٣).
__________________
(١) البحار : ٦٢ / ٣٠٢. « نقلا عن الرسالة المذهّبة المعروفة بالذهبيّة ».
(٢) عطف على قوله : ومن الموضحات لما ذكرناه.
(٣) الكافي ٢ : ٣٤ ، ح ١.