من الله تعالى والآثار المنتشرة عن أئمّة الهدى ـ صلوات الله عليهم ـ. وكيف لا! وقد قال الله تعالى : ( يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ ) (١) *.
______________________________________________________
* العجب كلّ العجب! من الدعاوي الّتي يدّعيها المصنّف على القدماء من علمهم وعملهم بجميع الأحاديث الصحيحة المقطوع بصحّتها وأنّها كانت عندهم معلومة مميّزة ، والحال أنّه قد سأل الصادق عليهالسلام بعض أصحابه عمّا يجد من كثرة اختلاف الحديث عنهم وبأيّها يأخذ؟ (٢) وقد أرشدوا عليهمالسلام شيعتهم إلى عرضها على كتاب الله عند ذلك أو الأخذ بما يخالف العامّة (٣). فعلم ان الاختلاف والاشتباه حاصل من ذلك الوقت. والّذي يعتمد الرواية عن الضعفاء نبّهوا عليه ، ونبّهوا على ثقة الرواة وضعيفها ، كلّ ذلك فيمن تقدّم من القدماء الّذين كانوا بعد زمن الأئمّة عليهمالسلام
والّذي في زمن الأئمّة عليهمالسلام كان يستغني في صحّة الخبر بالسؤال ولو بالواسطة المعتمدة عنهم عليهمالسلام. ومن بعدهم بقريب كان يعرف الصحيح من الضعيف ممّا نبّه عليه أصحابهم وكان الاشتباه قليلا ، فلم يحتاجوا إلى التقسيم وتدوينه. ولكن حال الأحاديث عندهم ما كانت تخرج عن الأقسام الأربعة ، ولو كانت الأحاديث في ذلك الوقت وبعده إلى زمن الكليني ـ الّذي كان في زمن بعض السفراء ـ كلّها صحيحة ثابتة عن الأئمّة عليهمالسلام ومعمولا بها بطريق القطع ما حصل فيها في ذلك الوقت هذا الاختلاف والتضادّ الفاحش الموجب لسوء العقيدة حتّى لزم على الكليني وغيره رحمهمالله بسبب ذلك جمع الّذي حسن الظنّ به عندهم وإن كان غير مقطوع بصحّته خوفا من ضياع الحديث وتفرّقه ، وقد ساء الظنّ به لشدّة اختلافه ، والحال أنّه متأصّل عن أئمّة لا تقبل حكمهم الاختلاف والتضادّ.
وأمّا ابن الجنيد وأمثاله فلم يكونوا من الجهل إلى غاية يمكنهم العلم بالدليل ويتركونه ويعدلون إلى اتّباع المخالفين في اصولهم وقواعدهم والعدول عن العلم إلى الظنّ ، ويتبعهم في هذا الجهل والغفلة مثل المفيد والمرتضى ومن تأخّر عنهم اتّباعا لا يجوز في الأحكام واصول الدين عقلا ولا شرعا ، وأيّ عاقل يقول أو يتخيّل : أنّ حسن الظنّ محلّ لذلك ومجوّز له حتّى ينسب غير الجائز والجهل إلى مثل هؤلاء الأجلّاء الّذين لا نسبة له إلى أقلّ تلامذتهم ، وهل يقدم أحد عاقل على مثل هذا الإقدام والجرأة على أنّ حال رواة الحديث بعد زمن الأئمّة بل وقبل ذلك أيضا حصول الاضطراب والاختلاف فيه ، لم يقع عند العامّة مثله؟ ولهذا عابوا على الشيعة ذلك.
__________________
(١) الصفّ : ٨.
(٢) راجع الكافي ١ : ٦٢ باب اختلاف الحديث.
(٣) الكافي ١ : ٦٧.