ممّن لا يعاون ظالماً على ظلم ، ولا آثماً على اثم ، فاتخذ من اُولئك خاصّة تجالسهم في خلواتك ، ويحضرونك (٢٨) في ملئك ، ثم ليكن اكرمهم عليك أقولهم للحق ، واحوطهم على رعيتك بالانصاف ، واقلّهم لك مناظرة بذكر ما كره لك ، والصق بأهل الورع والصدق ، وذوي العقول والاحسان ، وليكن ابغض أهلك ووزرائك اليك اكثرهم لك اطراء (٢٩) بما فعلت ، أو تزييناً لك بغير ما فعلت ، واسكتهم عنك صانعاً بما صنعت ، فان كثرة الاطراء يكثر الزهو ويدني من العِزَّة ، واكثر القول ان يشرك فيه تزكية السلطان ، لأنه ( لا يقصر به ) (٣٠) على حدود الحق ، دون التجاوز الى الافراط ولا تجمعن المحسن والمسيء عندك منزلة (٣١) يكونان فيها سواء ، فان ذلك تزهيد لأهل الاحسان في احسانهم ، وتدريب لأهل الاساءة في اساءتهم ، واعلم انه ليس شيء ادعى بحسن ظن وال برعيته ، من احسانه اليهم ، وتخفيف المؤن عنهم ، وقلّة الاستكراه لهم ، فليكن لك في ذلك ما يجمع لك حسن الظن برعيتك ، فان حسن الظن بهم يقطع عنك هموماً كثيرة ، وان احقّ من حسن ظنّك به من حسن عنده بلاؤك من أهل الخير ، واحق من ساء ظنّك به من ساء عنده بلاؤك ، فاعرف موضع ذلك ولا تنقض سنّة صالحة عمل بها الصالحون قبلك ، واجتمعت بها الالفة ، وصلحت عليها العامة ، ولا تحدثن سنّة تضرّ بشيء من ماضي سنن العدل التي سنّت قبلك ، فيكون الاجر لمن سنّها والوزر عليك بما نقضت منها ، واكثر مدارسة العلماء ومناظرة الحكماء في تثبيت سنن العدل على مواضعها ، واقامتها على ما صلح به الناس ، فإن ذلك يحيي الحق ويميت الباطل ، ويكتفي به دليلاً على ما يصلح به الناس ، لأن السنة الصالحة من أسباب الحق التي يعرف بها ، ودليل أهلك إلى السبل إلى طاعة الله فيها .
_________________________
(٢٨) في المصدر : ويحضرون لديك .
(٢٩) الإِطراء : المدح أو مجاوزة الحدّ في المدح والكذب فيه ( لسان العرب « طرا » ج ١٥ ص ٦ ) .
(٣٠) في نسخة : لا يقتصر منه ، وفي المصدر : لا يقتصر فيه .
(٣١) في المصدر : بمنزلة .