ذلك لنفسك ، واعمل فيه بعقلك وهمّك ، واكثر عرضه على قلبك ، واعلم ان الناس ينظرون من امرك الى مثل ما كنت تنظر فيه من امر من كان في مثل حالك من قبلك ، ويقولون فيك (١٥) ما كنت تقوله فيهم ، انظر اين الملوك واين ما جمعوا ؟ ممّا دخلت عليهم المعائب ، وبه قيلت فيهم الأقاويل ، ماذا شخصوا به معهم منه ؟ وماذا بقي لمن بعدهم ؟ فاذكر حالك وحال من تقدّمك ممّن كان في مثل حالك ، وما جمع وكنز ، هل بقيت له تلك الكنوز حين أراد الله نزعها منه ؟ وهل ضرّك اذ كنت لا كنز لك حين أراد الله صرف هذا الامر اليك ؟ فلا ترى ان الكنوز تنفعك ، ولا تثق بها ليومك فيما تأمل نفعه في غدك ، بل لتكن اخوف الأشياء عندك وأوحشها لديك عاقبة ، وليكن احبّ الكنوز اليك وأوثقها عندك نفعاً وعائدة ، الاستكثار من صالح الاعمال واعتقاد صالح الآثار ، فانك ان تُعمِل هواك في ذلك وتصرفه من غيره ، يقلل همّك ويطيب عيشك وينعم بالك ، ولتكن قرّة عينك بالزهد وصالح الآثار ، افضل من قرّة عيون أهل الجمع بالجمع ، عليك بالقصد فيما تجمع وفيما تنفق ، ولا تعدن الاستكثار من جمع الحرام قوّة ، ولا كثرة الإِعطاء في غير حقّ جودا ، فان ذلك يجحف (١٦) بعضه ببعض ، ولكن القوّة والجود ان تملك هواك شح (١٧) النفس بأخذ ما يحلّ لك ، وسخاء النفس باعطاء ما يحق عليك ، انتفع في ذلك بعلمك ، واتعظ فيه بما قد رأيت من امور غيرك ، وخاصم نفسك عند كل امر تورده وتصدره ، خصومة عامد (١٨) للحق جهده ، ينتصف (٩) لله وللناس من نفسه ، غير موجب لها العذر حيث لا عذر ، ولا منقاد للهوى في ورطات الردى ، فان عاجل الهوى لذيذ ، وله غبّ وخيم .
_________________________
(١٥) في المصدر زيادة : مثل .
(١٦) في الطبعة الحجرية : « يخفف » وما أثبتناه من المصدر .
(١٧) في الطبعة الحجرية : « سخاء » وما أثبتناه من المصدر .
(١٨) في المصدر : عامل .
(١٩) في نسخة : منصف .