وجود عالم عامل كامل نافذ الحكم فيهم ، أرسله إليهم ، عاش فيهم سعيداً ومات هناك حميداً رحمهالله ، وقد صاحبتُه مدَّةً سفراً وحضراً ولم أجد في خلقه وفضله نظيراً إلّا يسيراً.
قال : رجعت مرَّة من زيارة أبي عبداللّه عليهالسلام عازماً للنجف الأشرف من طريق الفرات. فلمّا ركبنا في بعض السّفن الصغار الّتي كانت بين كربلا وطويرج ، رأيت أهلها من أهل حلّة ، ومن طويرج تفترق طريق الحلّة والنجف.
واشتغل الجماعة باللّهو واللّعب والمزاح ، ورأيت واحداً منهم لا يدخل في عملهم. عليه آثار السكينة والوقار ، لا يمازح ولا يضاحك ، وكانوا يعيبون على مذهبه ويقدحون فيه ، ومع ذلك كان شريكاً في أكلهم وشربهم. فتعجّبت منه إلى أن وصلنا إلى محلّ كان الماء قليلاً ، فأخرَجَنا صاحب السفينة فكنّا نمشي على شاطئ النّهر.
فاتّفق اجتماعي مع هذا الرجل في الطريق ، فسألته عن سبب مجانبته عن أصحابه وذمّهم إيّاه وقدحهم فيه.
فقال : هؤلاء من أقاربي من أهل السنّة ، وأبي منهم واُمّي من أهل الايمان ، وكنت أيضاً منهم ، ولكنَّ اللّه منَّ عليَّ بالتشيّع ببركة الحجّة صاحب الزَّمان عليهالسلام.
فسألت عن كيفيّة إيمانه ، فقال :
اسمي ياقوت وأنا أبيع الدُّهن عند جسر الحلّة. فخرجت في بعض السّنين لجلب الدهن ، من البراري خارج الحلّة. فبعدت عنها بمراحل ، إلى أن قضيت وطري من شراء ما كنت اُريده منه ، وحملته على حماري ورجعت مع جماعة من أهل الحلة ، ونزلنا في بعض المنازل ونمنا ، وانتبهت فما رأيت أحداً منهم وقد ذهبوا جميعاً وكان طريقنا في بريّة قفر ، ذات سباع كثيرة ، ليس في أطرافها معمورة إلّا بعد فراسخ كثيرة.