دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-09-3
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤١٦

منها : موثقة زرارة ، عن أبي جعفر عليه‌السلام : (إن سمرة بن جندب كان له عذق في حائط لرجل من الأنصار ، وكان منزل الأنصاري بباب البستان ، وكان سمرة يمر إلى نخلته ولا يستأذن ، فكلّمه الأنصاري أن يستأذن إذا جاء فأبى سمرة ، فجاء الأنصاري إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فشكى إليه ، فأخبر بالخبر ، فأرسل رسول الله وأخبره بقول الأنصاري وما شكاه ، فقال : إذا أردت الدخول فاستأذن ، فأبى ، فلما أبى فساومه

______________________________________________________

قاعدة نفي الضرر ، حيث ربما يكون بيع الشريك حصته من شخص آخر أرفق لشريكه الآخر لكون المشتري لحصته شخصا خيّرا يراعى مصلحة الشريك بأزيد من بائع حصته ، مع أن حق الشفعة على تقدير كون بيع الحصة ضرريا بالإضافة إلى الشريك ، كان البيع محكوما بالفساد لكونه ضرريا ، وليس معنى لا ضرر تدارك الضرر وحق الشفعة للشريك تدارك ، وأما مسألة عدم منع فضول الماء فهو حكم استحبابي لا يمكن أن يعلل بقاعدة نفي الضرر ، ويؤكد ما ذكر من كونه من قبيل الجمع في الرواية تكرار (قال) في الروايتين بحرف العطف.

وقد يقال : بأن الوارد في الروايتين : وقال لا ضرر ولا ضرار ، من قبيل الجمع في المروي ، وأن نفي الضرر في الموردين حكمة التشريع ، وأن الشارع قد سد سبيل الضرر في بعض الموارد لحكمة بجعل حق الشفعة للشريك الآخر بنحو القضية الكلية ، كما أنه دفعا لبعض الضرر منع منعا تنزيهيا عن بيع فضول الماء ، وهذا نظير نفي الحرج حيث إن نفيه قد يكون حكمة التشريع ، كما في قوله سبحانه ، (وَمَنْ كانَ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ)(١) وقوله سبحانه : (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٨٥.

٨١

حتى بلغ من الثمن ما شاء الله ، فأبى أن يبيعه ، فقال : لك بها عذق في الجنة ، فأبى أن يقبل ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري : اذهب فاقلعها وارم بها إليه ، فإنه لا ضرر ولا ضرار).

وفي رواية الحذاء عن أبي جعفر عليه‌السلام مثل ذلك ، إلا أنه فيها بعد الإباء (ما أراك يا سمرة إلا مضارا ، اذهب يا فلان فاقلعها وارم بها وجهه) إلى غير ذلك من الروايات الواردة في قصة سمرة وغيرها. وهي كثيرة وقد ادعي تواترها ، مع اختلافها لفظا وموردا ، فليكن المراد به تواترها إجمالا ، بمعنى القطع بصدور بعضها ، والإنصاف أنه ليس في دعوى التواتر كذلك جزاف ، وهذا مع استناد المشهور إليها موجب لكمال الوثوق بها وانجبار ضعفها ، مع أن بعضها موثقة ،

______________________________________________________

فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ)(١) ، حيث إن انتفاء الحرج عن المريض وغيره حكمة للتشريع ، وقد يكون نفي الضرر قاعدة حاكمة على إطلاق خطابات التكاليف وعموماتها ، نظير قاعدة نفي الحرج في قوله سبحانه : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(٢) ، ولكن لا يخفى أن نفي الضرر وإن يمكن كونه حكمة في جعل حق الشفعة ولكنه لا يكون حكمة في المنع عن بيع فضول الماء أو منعه تنزيها ، حيث إنّ الحكمة في المنع هو أن يمنع فضل الكلأ.

وعلى الجملة فتكرار (قال) مع (الواو) العاطفة في الروايتين يمنع عن ظهور كونهما من قبيل الجمع في المروي ، ومع الإغماض عن ذلك فلا بد من توجيه كون نفي الضرر حكمة التشريع.

__________________

(١) سورة المائدة : الآية ٦.

(٢) سورة الحج : الآية ٧٨.

٨٢

فلا مجال للإشكال فيها من جهة سندها ، كما لا يخفى.

وأما دلالتها : فالظاهر أن الضرر هو ما يقابل النفع من النقص [١] في النفس أو الطرف أو العرض أو المال تقابل العدم والملكة.

______________________________________________________

[١] هذه الجهة الثانية ، ويقع الكلام فيها في مفاد المفردات الواقعة في جملة لا ضرر ولا ضرار ومفاد الهيئة التركيبية ، وقد ذكر الماتن قدس‌سره أن الضرر يقابل النفع كالعدم والملكة ، وأن المراد من الضرر النقص في النفس أو الطرف أو العرض أو المال ، ولكن لا يخفى أنه لو كان الضرر يقابل النفع بالعدم والملكة لكان نفي الضرر عدم النفع في مورد قابل للنفع ، لا أن يكون معناه النقص كما أن ظاهر النفع الزيادة فيما ذكر.

وعلى الجملة : بين الضرر وبين النفع الظاهر في الزيادة واسطة ، نعم قد يطلق الضرر ويراد به عدم النفع كما في قوله عليه‌السلام : «علامة الإيمان أن تؤثر الصدق حيث يضرك على الكذب حيث ينفعك» (١) ، حيث لا يحتمل أن لا يكون اختيار الصدق فيما لا ينفع الشخص على الكذب النافع له من علامة الإيمان ، ولكن هذا غير ظاهر الضرر ، حيث ما يطلق بلا قرينة فإنّ ظاهره كما ذكر النقص نفسا أو طرفا أو عرضا أو مالا منه أو ممن يحسب النقص الوارد عليه نقصا لهذا الشخص ، كما أن النفع ظاهره الزيادة في شيء من ذلك ، وقد يقال : بأنه لا يستعمل الضرر في موارد النقص في العرض ولا أقل من أن إطلاقه لا يعمّه ، كما أن النفع كذلك بالإضافة إلى الزيادة في العرض ، ولكن لا يخفى ما فيه ، فإن صح أن يقال : نفعه فيما إذا فعل ما يزيد به عزّه وكرامته ، كما يصح أن يقال : أضرّ به فيما إذا فعل ما يوجب نقص كرامته وشرفه ، ولا يبعد أن يستشهد

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢ : ٢٥٥ ، الباب ١٤١ من أبواب أحكام العشرة ، الحديث ١١.

٨٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لذلك بما ورد في رواية أبي عبيدة الحذاء من قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «يا سمرة ما أراك إلّا مضارا» ، حيث إن الضرر الوارد في قضية سمرة من قبيل العرض ، ودعوى أن الضرر في هذه الموارد يستعمل بمعنى إدخال المكروه والتضييق على الغير ، ولذا ذكرا من معاني الضرر لا يمكن المساعدة عليها ، فإن إدخال المكروه والضيق فيما لا يوجب نقصا لم يدخل في ظاهر الضرر.

وعلى الجملة : الضرر حيث ما يطلق ظاهره النقص في شيء مما تقدم ، وأما لفظ (ضرار) فليس المراد به الجزاء بالضرر لعدم كون ذلك ظاهره ، سواء قيل بأن (ضرار) مصدر للمجرد أو للمزيد من باب المفاعلة ، كما أنه ليس المراد منه في الموثقة بمعنى المفاعلة بالمعنى المعروف ، بقرينة قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما أراك يا سمرة إلّا مضارا» ، بل يقال : إن ما هو المعروف من معنى المفاعلة أنه فعل بين الاثنين لا أساس له ، فإن التتبع في موارد استعمالات باب المفاعلة يشهد بخلافه ، وأن هيئة مفاعلة وضعت لإفادة تصدى الفاعل لإيجاد المادة ، قال : عزّ من قائل (يُخادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ)(١) ، حيث أراد سبحانه وتعالى بأن المنافقين يتصدون لخديعة الله والمؤمنين ، ولكن خدعتهم لا تقع إلّا على أنفسهم ، ولذا عبر عن تصديهم بهيئة المفاعلة وعن وقوعها على أنفسهم بهيئة المجرد ، وهذا أيضا لا يمكن المساعدة عليه ، فإن الاستعمال في بعض الموارد كذلك على تقديره لا يثبت الظهور ، فلاحظ مثل : عانقه وكاتبه ولازمه وخادعه وداينه وصالحه ، إلى غير ذلك مما لا يحصى ، والحاصل أنه لم يثبت غير معنى الضرر ، إلّا أن (الضرار) حيث ما يطلق

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ٩.

٨٤

.................................................................................................

______________________________________________________

ظاهره إيراد الضرر على الآخر.

وأما مفاد الهيئة التركيبية ، فذكر الماتن ما حاصله أن (لا) الداخلة على طبيعي الضرر المسماة ب (لا) النافية للجنس ظاهرها نفي الطبيعي ، وإذا علم عدم كون نفيه بنحو الحقيقة خارجا يحمل على نفيه بالادعاء وإرادة نفي الطبيعي من (لا) النافية للجنس معروفة في استعمالاتها يجده من أمعن النظر إليها ، نعم لا بد في البين من مصحح للادعاء وهو أن يكون انتفاء الوصف أو الأثر سواء كان أثر الطبيعي من الأمر الخارجي ، أو الأمر الشرعي فلاحظ : يا أشباه الرجال ولا رجال ، ولا علم إلّا ما نفع ، ولا ربا بين الوالد والولد ، ولا صلاة إلّا بطهور ، ونفي الطبيعي ادعاء بلحاظ كون المصحح له ما ذكر غير جعل مدخولها الوصف أو الأثر بنحو الإضمار أو باستعمال لفظة (لا) في نفي الأثر ، أو الوصف بنحو المجاز في الكلمة ، وعلى ذلك يكون معنى لا ضرر نفيه خارجا ، ولكن بنحو الادعاء والمصحح للنفي نفي أثره أي حكمه بمعنى أن كل عمل أو معاملة انطبق عليها عنوان الضرر والضرار فلا يترتب عليه الحكم المترتب لو لا عنوان الضرر ، فلا يكون الوضوء الضرري أو الصوم الضرري مما يتعلق به الوجوب ، ولا يكون المرور إلى نخلته بلا استيذان من مالك الدار جائز إذا انطبق عليه عنوان الضرر إلى غير ذلك.

كون المنفي هو الفعل الضرري أو الحكم والتكليف الضرريين

وذكر الشيخ قدس‌سره أن المنفي بقاعدة نفي الضرر هو منشأ الضرر والسبب الذي يدخل في سلطان الشارع بما هو شارع ، وهذا المنشأ والسبب يكون بتشريع الحكم الموجب له لا سائر الأسباب من الامور الخارجية ، وأورد عليه في الكفاية مشيرا إليه بضرورة بشاعة استعمال الضرر وإرادة سبب من أسبابه فيكون المفاد بناء على ما ذكر

٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

الشيخ أن كل حكم وتكليف يكون منشأ للضرر فهو غير مجعول ، ويمكن الجواب عما ذكره الماتن قدس‌سره في مقام الإيراد أن الضرر لم يستعمل في سبب من أسبابه ، بل الضرر المنفي هو الضرر في مقام التشريع وأنه لم يشرع في ذلك المقام الضرر ، والضرر في ذلك المقام ينطبق على الحكم والتكليف الموجب للضرر ، ويؤيد ذلك المرسلة المروية في الفقيه «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» حيث إن الإسلام في فروعه هو الأحكام والتكاليف المجعولة على العباد ، وإلّا فما ذكره الماتن قدس‌سره من أن المنفي هو طبيعي الضرر خارجا ويكون نفيه كذلك بنحو الادعاء والمصحح للادعاء نفي الحكم أو الوصف كما في سائر موارد استعمالات (لا) النافية للجنس بنحو الادعاء لا يمكن المساعدة عليه ، فإن النفي كذلك ادعاء إنما يكون بالإضافة إلى الموضوعات التي يترتب على وجوداتها الأثر ، فإنه إذا لم يترتب الأثر المترقب من الشيء على الموجود أو لم يكن فيه الأثر المرغوب من الشيء ينفى ذلك الشيء خارجا ولو بنحو الادعاء ، وأما بالإضافة لمتعلقات التكاليف فعدم تعلق الوجوب بفعل يعد ضررا على المكلف أو تعلق الحرمة مع تركه أو إيجاده خارجا عصيانا لا يصحح نفي الضرر خارجا ، ولو بنحو الادعاء كما لا يخفى. وإن شئت قلت : إن ما ذكره الماتن قدس‌سره من حمل نفي الضرر على نفي الطبيعي خارجا غاية الأمر أن نفيه خارجا بالادعاء لانتفاء الأثر على غرار «لا صلاة إلّا بطهور» و «يا أشباه الرجال ولا رجال» غير صحيح ، فإن المنفي في تلك الموارد نفس الشيء ولو بداعي عدم الوصف والأثر المرغوب في أشباه الرجال أو في الصلاة من غير طهور ، وفي موارد نفي الضرر لا ينتفي الأثر المرغوب أو المترتب لنفس عنوان الضرر وإنما ينتفي الأثر المترتب على مورد صدقه لو لا انطباق عنوان الضرر ، نظير ما تقدم في رفع الإكراه

٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

والاضطرار من حديث الرفع ، وما ذكرنا في رافعية الإكراه والاضطرار ونفي الحرج غير جار في نفي الضرر أيضا ، فإن ما استكره عليه أو ما اضطر إليه عنوان لنفس العمل الذي كان متعلق التكليف أو الموضوع للوضع لو لا طريانها بخلاف الضرر ، فإنه كما تقدم بمعنى النقص في المال أو العرض أو الطرف أو النفس ، وهذا لا ينطبق على نفس الوضوء والصوم وغير ذلك من متعلقات التكاليف ، ليقال : إن عنوان الضرر كعنوان الإكراه والاضطرار والحرج من العناوين الرافعة للتكاليف ، بل الضرر أمر مسبب عن الأفعال والأعمال ونفي السبب بنفي مسببه غير ظاهر من (لا) النافية للجنس ، وإذا كان المراد نفي سببه بنحو العناية يكون التكليف والوضع أيضا سببا للضرر.

والصحيح كما يأتي ليس المراد من نفي الضرر ونفي الضرار نفيهما في الخارج ولو ادعاء ، بل المراد نفيهما في مقام التشريع بمعنى أنّ الشارع لم يجعل في مقام التشريع ما يوجب الضرر على المكلف أو غيره ، ومرجعه إلى عدم جعل تكليف ضرري أو الحكم الوضعي الضرري لموضوع ، ولعل هذا مراد الشيخ قدس‌سره.

وكيف كان فقد يقال بظهور الثمرة بين ما ذكره الماتن في معنى نفي الضرر والضرار وما التزم به الشيخ قدس‌سره فيما إذا لم يكن الفعل أو المعاملة المتعلق بهما التكليف أو الوضع ضرريا ، بل كان الضرر في ناحية نفس الحكم والتكليف الثابت أو المتعلق بأحدهما ، كما إذا كان التكليف المعلوم إجمالا للجهل بمتعلقه أو موضوعه وتردده بين أطراف أحرز موافقته ضرريا أو كان الضرر في لزوم المعاملة ، كما في مورد خيار الغبن ، ولكن الثمرة المذكورة في مورد الجهل بين أطراف العلم الإجمالي بالتكليف محل منع ، كما إذا علم المكلف بكون أحد الماءين ملك الغير وغير راض

٨٧

كما أن الأظهر أن يكون الضرار بمعنى الضرر جيء به تأكيدا ، كما يشهد به إطلاق المضار على سمرة ، وحكي عن النهاية لا فعل الاثنين ، وإن كان هو الأصل في باب المفاعلة ، ولا الجزاء على الضرر لعدم تعاهده من باب المفاعلة ، وبالجملة لم يثبت له معنى آخر غير الضرر.

______________________________________________________

بالتصرف فيه مع عطشه الذي يخاف على صحته مع تركه شربهما مع انحصار الماء عليهما ، فإنه في الفرض لا يكون ترك شرب المغصوب منهما ضرريا ، بل الضرر في ناحية نفس حرمة شربه فإنها مع العلم الإجمالي بها تقتضي الموافقة القطعية ، هكذا قيل ولكن لا يخفى أن الضرر في ناحية إحراز امتثال التكليف في الفرض لا في ناحية أصل امتثاله ، كما أنه في ناحية إحراز ترك المغصوب لا في ناحية نفس تركه فلا مجرى لنفي الضرر على كلا المسلكين.

نعم مع اضطرار المكلف إلى شرب أحدهما يجوز له ذلك ؛ لأنّ الحرام الواقعي إذا كان المكلف مضطرا إليه يجوز ارتكابه ويكون حلالا فكيف بالمحتمل الحرمة من أطراف العلم ، ولكن الجواز في الاضطرار إلى أحدهما غير المعين في المختار حلية ظاهرية ما دام الجهل على ما تقدم في بحث الاضطرار إلى بعض أطراف العلم ، وأما مسألة خيار الغبن فقد ذكرنا في بحث الخيارات في بحث المكاسب أنه لا مجرى لقاعدة نفي الضرر في المعاملة الغبنية فإن الضرر فيها ينشأ من نفس إمضاء المعاملة الغبنية ، ولو كانت جارية لكان مقتضاه عدم صحة تلك المعاملة لا نفي لزومها ؛ لأن نفي لزومها تدارك للضرر ، ولكن المعاملات المبنية على التغابن والمداقّة وسائر المعاملات المالية المعاوضية فيها شرط ارتكازي عند الإطلاق من المتعاملين بأنّ إقدام كل منهما على المعاملة على تقدير التزام الآخر بالخيار له على تقدير غبنه ، ومع هذا الاشتراط لا يكون إمضاء المعاملة المنشأة كذلك خلاف الامتنان ؛ لأنّ نفي

٨٨

كما أن الظاهر أن يكون (لا) لنفي الحقيقة ، كما هو الأصل في هذا التركيب حقيقة أو ادعاء ، كناية عن نفي الآثار ، كما هو الظاهر من مثل : (لا صلاة لجار المسجد إلّا في المسجد) و (يا أشباه الرجال ولا رجال) فإن قضية البلاغة في الكلام هو إرادة نفي الحقيقة ادعاء ، لا نفي الحكم أو الصفة ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

صحته لا يفيد للمغبون شيئا مع تمكنه من فسخها عند اطلاعه بالغبن فيها.

وقد يقال بظهور الثمرة بين القولين فيما إذا تردد المكلف بكونه مديونا لزيد أو عمرو أو تردد كون ما بيده لزيد أو لعمرو ، فإنه لا يكون نفس أداء الدين إلى دائنه أو ردّ العين التي في يده على مالكها ضرريا ، وإنما ينشأ الضرر من التكليف بالأداء أو ردّ المال على صاحبه ، حيث إنّه مع الجهالة بالدّائن أو المالك وترددهما بين شخصين أو أشخاص يكون التكليف بالأداء والردّ ضرريا ، ولكن قد ظهر مما تقدم كون الضرر في إحراز الأداء والرد ، بل يمكن أن يقال إن إحرازهما أيضا أمر ممكن لا ضرر فيه ، وذلك بأن يؤدى الدين أو العين إلى أحدهما أولا ثم أخذهما ممن أدى إليه ولو قهرا بلا رضاه ، والرد على الثاني ثانيا حيث يعلم بسقوط الدين أو ردّ المال على صاحبه والأخذ ممن أعطاه أولا ولو بلا رضاه مجرى أصالة الحلية وعدم الضمان ، كما يمكن إحراز الامتثال بالمصالحة مع الشخصين أو الرجوع إلى القرعة بينهما.

وقد يقال بظهور الثمرة بين القولين فيما إذا توقف الاغتسال أو الوضوء على صرف المال الكثير بشراء المال ونحوه ، فإن إيجاب الاغتسال أو الوضوء يكون ضرريا حيث يتوقف امتثاله على تحصيل الماء الموقوف على صرف المال المذكور بخلاف نفس الوضوء ، فإن الوضوء لا ضرر في نفسه ، بل الضرر في شراء الماء الذي يقتضيه التكليف به ، وفيه أن نفس الوضوء كوجوبه في الفرض ضرري أيضا حيث يوجب نقص ما له بالشراء.

٨٩

ونفي الحقيقة ادعاء بلحاظ الحكم أو الصفة غير نفي أحدهما ابتداء مجازا في التقدير أو في الكلمة ، مما لا يخفى على من له معرفة بالبلاغة.

وقد انقدح بذلك بعد إرادة نفي الحكم الضرري ، أو الضرر الغير المتدارك ، أو إرادة النهي من النفي جدا ، ضرورة بشاعة استعمال الضرر وإرادة خصوص سبب من أسبابه ، أو خصوص الغير المتدارك منه [١] ، ومثله لو اريد ذاك بنحو التقييد ، فإنه وإن لم يكن ببعيد ، إلّا أنه بلا دلالة عليه غير سديد ، وإرادة النهي من النفي وإن

______________________________________________________

[١] ربما يقال إن المنفي في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا ضرر ولا ضرار» خصوص الضرر غير المتدارك ، بأن استعمل الضرر في الضرر الخاص أي غير المتدارك منه ، أو يقال بإرادة الضرر غير المتدارك بتعدد الدال والمدلول ، فيكون مفاده أن كل ضرر في الخارج متدارك ، ولا يوجب إرادته بنحو تعدد الدال والمدلول مجازا ، ولعل نظر القائل من الدال على القيد هو وقوع الضرر في الخارج غالبا ، ولكن لا يخفى ما فيه فإن مجرد حكم الشارع بتدارك الضرر لا يكون تداركا ، ألا ترى أنه إذا أتلف ما له متلف وحكم على المتلف بالضمان مع كونه معسرا لم يصح أن يقال لا ضرر ، وإذا كان هذا في مورد الضرر المالي فما الظن في موارد الضرر العرضي أو الطرفي وما حال الضرر الذي يورده الشخص على طرفه أو نفسه أو ما له أو يقع الضرر عليه من غير أن يستند إلى الغير ، كانهدام داره بالزلزلة واحتراق بيته بوقوع النار فيها أو نحو ذلك.

وعلى الجملة لا يتدارك كل ضرر في الخارج ، والموارد التي يحكم فيها على الغير بالتدارك لا يعد مجرد الحكم تداركا وما يتدارك بحق القصاص ونحوه لا يوجب صحة نفي الضرر الخارجي ، ليقال إن المنفي هو الضرر الخارجي والمصحح لنفيه ادعاء لزوم تداركه مع أن هذا لا يناسب مورد الرواية.

٩٠

كان ليس بعزيز إلّا أنه لم يعهد من مثل هذا التركيب [١].

______________________________________________________

فيما قيل بأن المراد من نفي الضرر والضرار تحريمهما

[١] وقد يقال إن المراد من النفي هو النهي ، حيث إن الضرر والضرار عنوانان للفعل ويراد من نفيهما النهي عنها ، وما ذكر الماتن قدس‌سره من عدم معهودية هذا النحو من الاستعمال في مثل هذا التركيب بأن يراد ب (لا) النافية للجنس الداخلة على الاسم النهي ، لا يمكن المساعدة عليه ، لوقوع ذلك في قوله سبحانه : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)(١) ، وكقوله عليه‌السلام : «لا غش بين المسلمين» ، وتوضيح ذلك أنه كما يصح الإخبار بالشيء خارجا بداعي الأمر به كذلك في مقام النهي عنه يصح نفيه خارجا ، وكما أنه في صورة الإخبار بحصوله بداعي الأمر به إن كان المخبر به هو الفعل الخارجي يكون الأمر به تكليفا بإيجاده ، كذلك في مقام النهي نفيه ، وأما إذا كان المخبر به فعلا اعتباريا يكون الإخبار بوقوعه إرشادا إلى صحته ويكون نفيه إرشادا إلى عدم صحته وإمضائه ، كقوله «لا بيع فيما ليس بملك» ، و «لا طلاق إلّا بعد نكاح» ، و «لا يمين للولد مع الوالد» إلى غير ذلك ، فما عن بعض الأجلّة من استعمال النفي في هذه الموارد في غير النهي لا يخفى ما فيه ، فإن النفي في هذه الموارد من المعاملات كالنهي فيها إرشاد إلى عدم الإمضاء والمشروعيّة ، والكلام في المقام في خصوص (لا) النافية للجنس الداخلة على الفعل الخارجي نظير الرفث والغش ونحوهما ، وقد ذكر شيخ الشريعة في تأييد ما ذهب إليه من كون النفي بمعنى النهي بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله «ما أراك يا سمرة إلّا مضارا» ، فإنه بمنزلة الصغرى للكبرى لا ضرر ولا ضرار ، وأنّ فعلك ضرار ويحرم الإضرار ، والضرار بخلاف المعاني المتقدمة في معنى الكبرى

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٩٧.

٩١

.................................................................................................

______________________________________________________

فإنه لا يرتبط بقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما أراك يا سمرة إلّا مضارا.

أقول : الجواب عن هذا الوجه هو أن المنفي في المقام الضرر والضرار ، والضرر ليس عنوانا للفعل الخارجي ، بل هو بمعنى الاسم المصدري ، والضرر بهذا المعنى يراد من نفيه نفي سببه ، وكما أن الفعل سبب للضرر وموجب له كذلك الحكم والتكليف موجب له ، ولو كان المراد من نفيه نفي الفعل فيكون من حمل نفيه على النهي على غرار ما ذكر في (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)(١) بخلاف ما أريد الحكم والتكليف الموجب له ، حيث يؤخذ بظاهر نفيه ، وأن الحكم والتكليف الموجب له غير مجعول فلا قرينة على حمل النفي على النهي ، وإن كان ذلك غير بعيد في نفي الضرار حيث إنه مصدر يمكن جعله عنوانا للفعل خصوصا بملاحظة ما ورد في رواية أبي عبيدة من قوله عليه‌السلام «ما أراك يا سمرة إلّا مضارا».

وقد ذكر في مدلول لا ضرر ولا ضرار وجها آخر.

وحاصله أن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله له مناصب ثلاثة كونه نبيا مرسلا أي مخبرا عن الله سبحانه بأحكام الدين الحنيف اصولا وفروعا ، وموصلا إياها إلى العباد ، ومجريا للحدود ، وقاضيا في فصل الخصومات ، وكونه رئيسا وزعيما للامة الاسلامية ، فله ولاية الأمر والنهي على ما هو مقتضى رعاية مصالح الرعية وحفظ النظام ، فيكون أمره ونهيه صلى‌الله‌عليه‌وآله على سنخين ، ففيما أمر بفعل أو نهى عنه بما هو مخبر عن الله سبحانه بأحكام الدين وأحكام الله يكون أمره ونهيه إرشادا إلى أمر الله سبحانه ، أو نهيه ، فتكون مخالفته عصيانا لله سبحانه في أمره ونهيه ، بخلاف ما أمر أو نهى بما هو

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٥٩.

٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

زعيم الامة الإسلامية وسائسهم فإن نفس أمره ونهيه يكون مولويا وموافقته إطاعة له ومخالفته تركا لطاعته ، كما يشير إلى ذلك قوله سبحانه (أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ)(١) والأئمة عليهم‌السلام من بعد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله أولياء في تبليغ أحكام الشريعة ولهم أيضا ولاية القضاء وإجراء الحدود وولاية الأمر والنهي فيكون أمرهم ونهيهم إرشادا إلى حكم الله وأحكام الشريعة ، فيكون الملاك في الطاعة والعصيان موافقة الحكم المرشد إليه من أمر الله ونهيه ، بخلاف ما إذا أمروا أو نهوا بما هم أولياء الأمر والنهي على الرعية.

ثم إن الأمر والنهي الواردين عن النبي الأكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله إن كانا ظاهرين في الأخبار بالشرع المبين ، والوظائف المقررة على العباد من قبل الله سبحانه فلا كلام ، وأما إذا لم يكن في البين ظهور في ذلك ، كما ورد أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله قضى أو حكم ونحو ذلك ، فإن كانت قرينة خارجية على أن مراده الإبلاغ وبيان الأحكام الشّرعيّة فلا كلام أيضا ، وإلّا فظاهر الكلام المزبور أنه حكم مولوي من قبله صلى‌الله‌عليه‌وآله ويؤيد ذلك أنه لم ترد مثل هذه التعبيرات فيما ورد عن غير الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وغير علي عليه‌السلام من سائر الأئمة الذين منعوا عن التصدي لحق الوصاية ، وعلى ذلك فالمنقول في حديث لا ضرر ولو من طريق العامة أنه قضى بأنه لا ضرر ولا ضرار ، وحيث إنّ المورد للحديث ليس من قبيل الشبهة الحكمية ولا الموضوعية لتحميل القضاء بمعنى فصل الخصومة في المرافعة في أحدهما يتعين كونه نهيا مولويا سياسيا صدر للتحفظ عن وقوع الضرر ، وهذا النهي المولوي عام لجميع الأدوار والأعصار صادر عن رئيس الملة والامة فاللازم

__________________

(١) سورة النساء : الآية ٥٩.

٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

اتباعه ، فيكون كسرا لما عند العقلاء من سلطنة المالك على ماله ، وإن هذه السلطنة لا تكون مع الإضرار والضرار ، فيكون الحديث حاكما على سلطنة الملاك بالإضافة إلى أموالهم ومناسبا لمورد الحديث ، ويترتب على ذلك عدم صحة التمسك بالحديث في موارد كون تكليف الشرع ضرريا كالوضوء والغسل والصوم ونحو ذلك ، بل يتعين حكومته على قاعدة سلطنة المالك.

في كون المستفاد من نفي الضرر والضرار حكم شرعي

ولكن لا يخفى ما فيه ، أما أولا : فإن للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله إذن في التشريع بأن يجعل من شرعه وجوب فعل أو استحبابه وغيرهما ، فالحكم الذي يجعله من شرعه حكم شرعي كسائر الأحكام بالإضافة إلى جميع الأدوار والأعصار ، فإن ما سنّ النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله من التكاليف والأحكام تكليفا أو وضعا في مقابل فرض الله سبحانه ، أمر معروف عند الخاصة والعامة ، وهذه الولاية بالإيكال من الله ، وكما أن الأئمة عليهم‌السلام مبيّنون لأحكام الشريعة في غير موارد السنن كذلك مبيّنون ومبلّغون في موارد السنن ، نعم هم عليهم‌السلام أولوا الأمر بالإضافة إلى الرعية كالنبي الأكرم ، وكل أولى بالمؤمنين من أنفسهم مثله (صلوات الله عليه وعليهم) على ما ذكر في بحث الولاية التي هي إحدى الخمس المبني عليها الإسلام ، وما يحكى عن النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله بحيث يعم ، كسائر أحكام الشريعة ، جميع الأدوار والأعصار ظاهره التشريع أو إظهار التنزيل ، سواء كان بلفظ (قضى) أو (حكم) أو (رخص) أو (نهى) كما في المحكي عنه ، بأنه صلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن بيع الضرر ، وعن بيع ما ليس عندك ، مع أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا ضرار ، لم يحك في رواياتنا بقضائه وحكمه ، بل وقع تعليلا للترخيص للأنصاري في قلعه نخلة سمرة ، وذكر أيضا في روايات الشفعة والمنع عن بيع فضول الماء ، وقد تقدم أنه إمّا من قبيل

٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

الجمع في الرواية أو بيان حكمة التشريع وحكمه المولوي (صلوات الله وسلامه عليه) بالإضافة إلى شخص أو أشخاص أو طائفة في عصره واقع لا محالة.

وثانيا : أنه لو فرض وقوع الحكم المولوي منه بالإضافة إلى جميع الرعية والمسلمين في جميع الأعصار والأدوار بحيث لا يدخل في التشريع فإثباته في قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا ضرر ولا ضرار غير ممكن ؛ لأنّ التعبير ب (قضى) في بعض روايات العامة مع عدم اعتبار النقل لا يكون قرينة على أنه من قبيل الحكم المولوي ، أضف إلى ذلك احتمال كون المورد من موارد المرافعة في الشبهة الحكمية ، ولعل سمرة كان يرى لنفسه الدخول والمرور في حائط الأنصاري بلا استيذان ، ولعل الأنصاري أيضا في بدو الأمر لا يعلم أنه حق له أم لا ، ولذا شكا إلى النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله.

والحاصل إن أريد بالنفي في لا ضرر ، النهي عن الإضرار فلا يفرق في كونه خلاف الظاهر سواء كان النهي بما هو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أو بما هو زعيم المسلمين ، وذلك فإن الضرر اسم مصدر وهو يترتب على الفعل لا أنه عنوان للإضرار وكون النفي كناية عن النهي عن الإضرار يحتاج إلى قرينة أخرى ، وإذا كان حمل نفيه على ظاهره في كون نفيه بمعنى انتفائه خارجا ممكنا ، غاية الأمر فيه خلاف ظاهر من جهة واحدة فيما لو ادعى أن المنفي هو الضرر الخارجي خارجا ، حيث يتوجه النفي إلى منشئه وسببه ، وهو الحكم الشرعي الموجب له ، فلا تصل النوبة معه إلى نفي سببه وجعل النفي كناية عن النهي عنه ، كما إذا كان متعلق النفي الفعل الموجب للضرر هذا مع الإغماض عما ذكرنا من أن المنفي هو الضرر الخارجي في مقام التشريع لا في الخارج وإلّا فلا مخالفة فيه للظاهر أصلا.

٩٥

في توجيه الحكم الوارد في قضية سمرة

نعم ، قد يقال : بأن مقتضى قاعدة لا ضرر أن لا يجوز لسمرة الدخول إلى حائط الأنصاري بلا استيذان ، سواء كان المنفي جواز الدخول والمرور بلا استيذان أو كان النفي بمعنى النهي ، وأمّا قلع النخلة والرمي بها إليه فلا يكون مقتضاها حتى بناء على أن نفي الضرر والضرار حكم مولوي ، وعلى ذلك يقع الكلام في أنه صلى‌الله‌عليه‌وآله كيف علل أمره بقلع النخلة بالكبرى المزبورة مع أنها لا تقتضيه ، وذكر الشيخ صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن الجهل بكيفية تطبيق الكبرى على الحكم المذكور لا يضر بالأخذ بمفاد الكبرى.

وذكر النائيني قدس‌سره بأن نفي الإضرار كما يحصل برفع جواز الدخول بلا استيذان كذلك يرتفع بارتفاع حق سمرة في بقاء نخلته في حائط الأنصاري ، وما نحن فيه من قبيل رفع المعلول برفع علته.

وبتعبير آخر كما يرتفع الضرر عن الأنصاري برفع جواز دخول سمرة بلا استيذان كذلك يرتفع برفع الموضوع لجواز الدخول وهو رفع حق سمرة في بقاء نخلته في حائط الأنصاري ، ونظير ذلك ما إذا كان جزء الواجب أو شرطه ضرريا فإن الضرر وإن كان ينشأ من وجوب الجزء والمقدمة إلّا أنّه يرتفع بوجوب ذيها ، ولا ينحصر بإيجاب الخالي عنه.

وفيه أنّه لا يقاس المقام برفع وجوب المقدمة فإن رفع ذلك الوجوب يكون برفع وجوب ذيها ووضعه بوضع وجوب ذيها ، ولذا لو لم نقل بوجوب المقدمة يكون الأمر أيضا كذلك ، بخلاف ما إذا كان الأمر الاعتباري موضوعا للاحكام ، وكان ثبوت بعض الأحكام في مورد ضرريا فلا موجب مع إمكان نفي ذلك البعض رفع

٩٦

.................................................................................................

______________________________________________________

نفس ذلك الأمر الاعتباري ، كما إذا كان استمتاع الزوج من زوجته بالوطي ضرريا لها ، فيرتفع جواز الوطي ولا ترتفع الزوجية بينهما ، وإذا كان تصرف إنسان في ملكه ضرريا على الغير فلا يرتفع إلّا جواز التصرف لا أصل ملكية ذلك المال ، وحقه في بقائه.

وعلى الجملة : فما ذكره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في قضية سمرة بن جندب مع الأنصاري أمران ، أحدهما : نهي سمرة أن يدخل حائط الأنصاري بلا استيذان ، وثانيهما : أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بقلع النخلة ، والإشكال في تطبيق قاعدة لا ضرر مبني على أن يكون قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فإنه لا ضرر ولا ضرار» تعليلا للأمر الثاني أو لكلا الأمرين ، وأما إذا كان تعليلا للأمر الأول فقط فلا إشكال ، وأما أمره الثاني ، فقد يقال بأن مقتضى ولايته صلى‌الله‌عليه‌وآله على الامة في أموالهم بل نفوسهم ، وليس من قبيل الحكم الشرعي الثابت في الشريعة حتى يقال بأن الحكم المزبور ينافي قاعدة نفي الضرر ، حيث إنّ جواز إتلاف مال الغير ضرر عليه أو لا أقل من عدم استفادة جواز الإتلاف من قاعدة لا ضرر فكيف يعلّل بها.

ويرجع إلى ذلك أيضا ما يقال أن قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «اذهب واقلعها وارم بها إليه» خطابا للأنصاري وقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «انطلق فاغرسها حيث شئت» خطابا لسمرة من كونه في مقام تأديب سمرة وإظهار غضبه عليه ، لا أنه من الحكم الشرعي من غير استعمال ولايته على الرعية.

أقول : قد ذكرنا في بحث الولاية في بحث المكاسب وأشرنا إليه سابقا أن كون نفي الضرر والضرار تعليلا للحكم الأول صحيح ، حيث إن مقتضى نفي الحكم الضرر وحرمة الضرار عدم جواز دخول سمرة حائط الأنصاري بلا استيذان ، وليس في هذا أي ضرر على سمرة ، والنافي فرض عدم اعتناء سمرة لعدم جواز الدخول

٩٧

وعدم إمكان إرادة نفي الحقيقة حقيقة لا يكاد يكون قرينة على إرادة واحد منها ، بعد إمكان حمله على نفيها ادعاء ، بل كان هو الغالب في موارد استعماله.

ثم الحكم الذي أريد نفيه بنفي الضرر هو الحكم الثابت للأفعال بعناوينها أو المتوهّم ثبوته لها كذلك في حال الضرر [١].

______________________________________________________

بلا استيذان وعدم الإجابة لبيع النخلة بأي ثمن شاء ، والأمر أو الترخيص للأنصاري بقلع النخلة حكم شرعي ولا يرتبط بمسألة ولاية النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله على الامة في أموالهم ، ولا يستفاد من الحديث هذه الولاية ولا استعمالها ، والوجه في ذلك دوران أمر الأنصاري بين أن يراعي وجوب التحفظ على عرضه ، وبين عدم جواز التصرف في نخلة سمرة وإزالة حقه بقلعها ، وفي مقام التزاحم لا يحتمل أن لا يكون وجوب حفظ عرضه أهم من إتلاف حق الغير بقلع نخلته ، ولذا أمره صلى‌الله‌عليه‌وآله بقلع نخلته نظير سائر ما لو دار الأمر في مقام التزاحم بين رعاية التكليف المحرز الأهمية أو محتملها ، وبين التكليف الآخر يقدم التكليف الأهم أو محتمله ، ولو كان ما ذكر صلى‌الله‌عليه‌وآله للأنصاري من أعمال الولاية المشار إليها لم يكن حاجة إلى المذكور ، بل كان للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله تمليك النخلة للأنصاري مجانا أو مع العوض ، بل يمكن أن يقال إن مقتضى نفي الضرر أيضا انتفاء حرمة التصرف عن قلع النخلة للانصاري لأنّ ابقائها مع وجوب التحفظ عليه على عرضه وعياله في الفرض لغو محض ، وليس كسائر موارد التزاحم مما يكون المكلف مؤاخذا على ترك موافقة التكليف بالمهم على تقدير ترك العمل بالأهم كما يظهر ذلك بالتأمل.

[١] قد تقدم أن عنوان الضرر عند الماتن قدس‌سره كعنوان الإكراه أو الاضطرار في أنه إذا انطبق على فعل خارجي أو اعتباري يكون انطباقه موجبا لارتفاع الحكم الثابت لذلك الفعل في نفسه أي بعنوانه الأولي أو المحتمل ثبوته له كذلك ، ولذا يتقدم

٩٨

.................................................................................................

______________________________________________________

خطاب نفي الضرر على الخطاب الدال على ثبوت الحكم المزبور لذلك الفعل ، حيث يجمع بين الخطابين ، بأنّ الحكم الثابت للفعل اقتضائي بالإضافة إلى عنوان الضرر فيثبت له ويتعلق به ما لم يطرأ عليه عنوان الضرر ، ولا تلاحظ النسبة بين الخطابين ، ليقال : إن النسبة بينهما العموم من وجه ، فإن ملاحظة النسبة ينحصر على ما كانت دلالة كل من الخطابين على حكم الفعل بالعنوان الأولي أو بالعنوان الثاني كما هو الحال أيضا في الخطابات الدالة على حكم الأفعال بعناوينها الأولية مع خطاب نفي الاضطرار والإكراه والعسر والحرج.

والحاصل أن قاعدة نفي الضرر لا تنفي الحكم الثابت لنفس عنوان الضرر وإنما يرفع الحكم فيما إذا تعلق به بعنوان ذلك الفعل إذا صار ضررا ، نعم إذا ثبت في مورد أن الحكم الثابت لفعل بعنوان ذلك الفعل لا يكون اقتضائيا ، بل يثبت حتى مع طريان عنوان الضرر فلا بد في ذلك المورد من رفع اليد عن إطلاق نفي الضرر.

أقول : لا يخفى الجمع العرفي بين الخطابين بالحمل على العنوان الأولي والثانوي فيما إذا ثبت حكم في أحدهما لمطلق الفعل وبعنوانه الأولي ، وفي الآخر منهما حكم آخر لعنوان ثانوي يعم ذلك الفعل أيضا في بعض الموارد ، كما إذا ورد الأمر بالوضوء للصلاة في خطاب ورود النهي عن الغصب في خطاب آخر ، ففيما انحصر ماء الوضوء بالمغصوب يجمع بين الخطابين بأن الوضوء بالماء المغصوب حرام ، وأن الوضوء واجب لو لا طرو المغصوب عليه ، وكذلك إذا لم ينحصر بالماء المغصوب ولكن المكلف أراد الوضوء ، فيقال الوضوء لا يجوز بذلك الماء بل عليه أن يتوضأ بغيره ، حيث لا ترخيص في تطبيق طبيعي الوضوء على الوضوء بالمغصوب بل هو حرام ، وأما في مثل قاعدة لا ضرر فقد تقدم أن الماتن قدس‌سره بنى على

٩٩

.................................................................................................

______________________________________________________

أن نفي الضرر ادعائي والمصحح للادعاء لا يمكن أن يكون نفي الأثر المجعول لنفس الضرر كما اعترف به قدس‌سره حيث إن عنوان الموضوع تحققه يوجب تحقق الحكم المجعول له فلا يمكن أن يكون رافعا له ، بل نظير الحكم المجعول على عنوان الاضطرار أو الإكراه أو الخطأ والنسيان حيث يثبت ذلك الحكم بثبوتها.

فلا بد من أن يكون المنفي نفس الفعل الذي يطرأ عليه عنوان كونه ضرريا بأن يكون المنفي نفس الوضوء أو الغسل ، والصوم بأن يكون معنى لا ضرر ، أنه لا وضوء ولا غسل ولا صوم مع الضرر ، والمصحح لهذا النفي عدم الأثر لهذا الوضوء أو الغسل أو الصوم ، وهكذا ، وإذا كان الأمر كذلك وعلى هذا المنوال فيدخل نفي الضرر في الحكومة بالإضافة إلى الخطابات الدالة على ثبوت الآثار للوضوء والغسل والصوم بالتصرف في عقد الوضع في تلك الخطابات ، نظير حكومة لا ربا بين الوالد وولده ، حيث إنه نفي للربا بينهما بنحو الادعاء ، والمصحح انتفاء ما يكون ثابتا للربا في نفسه من الآثار ، ونتيجة هذا النفي وإن يرجع إلى تقييد الحكم الثابت للربا في مقام الثبوت إلّا أنه بالإضافة إلى مقام الإثبات يكون خطاب نفي الربا بين الوالد وولده حاكما على الخطاب الدال على حرمة الربا بلا منافاة بين مدلولهما ، حيث إنّ خطاب حرمة الربا لا يعين الربا خارجا ، وخطاب نفي الربا بين الوالد والولد ينفي الربا بين الوالد والولد كما هو الحال بالإضافة إلى حكومة : «لا شك للامام مع حفظ من خلفه» ، بالإضافة إلى الخطاب الدال «إذا شككت فابن على الأكثر» أو أنّه «إذا شك في الاوليين يعيد صلاته» ، وهذا النحو من الحكومة قد يقتضي التضييق ثبوتا في الحكم المستفاد من خطاب الدليل المحكوم كما في الأمثلة المتقدمة ، وقد يفيد التوسعة كما في خطاب «الفقاع خمر» أو «إن الطواف بالبيت صلاة» ونحوهما.

١٠٠