دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-09-3
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤١٦

بعد ما انصرم منه جزء وانعدم ، إلّا أنه ما لم يتخلل في البين العدم بل وإن تخلل بما لا يخل بالاتصال عرفا وإن انفصل حقيقة ، كانت باقية مطلقا أو عرفا ، ويكون رفع اليد عنها ـ مع الشك في استمرارها وانقطاعها ـ نقضا.

______________________________________________________

وأما المركبات التدريجية غير القارة وهي التي لا تجتمع أجزاؤها في زمان بل يوجد جزء منها بعد انعدام جزء قبله سواء كان ذلك المركب زمانا كما في الاستصحاب في ناحية بقاء الليل والنهار ، أو زمانيا كالاستصحاب في ناحية بقاء القراءة ونحوها أو كان تصرمه لتقيده بما هو متصرم كالصوم في النهار والصلاة في الوقت ففي جريان الاستصحاب فيها تأمل أو منع عند بعض الأصحاب ، ووجهه عدم إمكان البقاء في المتيقن سابقا ليشك في بقائه ويستصحب.

وذكر الماتن قدس‌سره في دفع الإشكال في ناحية الاستصحاب في الزمان والزماني المتصرم بنفسه ما حاصله أنه إذا لم يتخلل العدم بين أجزاء الشيء يكون الاتصال بين أجزائه موجبا للوحدة بينها كما إذا قيل بأن النهار اسم لمجموع أجزاء زمان يكون تحققها بتحقق أول جزء منها وانتهاؤها بانتهاء الجزء الأخير منها وفي مثل ذلك ما لم يتحقق انتهاء الجزء الأخير يكون النهار باقيا وكذا في بقاء الليل والشهر والسنة لصدق احتمال البقاء في ذلك مطلقا حتى عقلا بل لو تحقق العدم بين أجزاء بعض المركبات بحيث لا يكون مخلا للاتصال الموجب للوحدة عرفا يحكم ببقائه ما لم تنته أجزاؤه كما في القراءة والتكلم حيث لا يكون تخلل العدم بالتنفس ونحوه في الأثناء موجبا لانتهائه وكون ما قبله مع ما بعده شيئين من قراءتين أو تكلمين ففي مثل ذلك يجري الاستصحاب في ناحية بقائه عند ما شك في انقضائه أو بقائه فإنه كما تقدم لا يعتبر في جريان الاستصحاب إلّا احتمال البقاء عرفا ، وإن رفع اليد عن اليقين بشيء نقض له بالشك ولا يضر عدم كونه من احتمال البقاء عقلا ثمّ إن ما ذكر من التصرم والتدرج

٢٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

في أجزاء الشيء إنما كان الشيء عنوانا للحركة القطعية وهي كون الشيء في كل آن في حد كما في غير الحركة الأينية أو كل آن في مكان كما في الحركة الأينية ، وأما إذا فرض كونه عنوانا للحركة التوسطية كما إذا قيل : بأن النهار اسم لكون قرص الشمس بين الافقين من بلده ، والليل لعدم كونها بين الافقين منه ، وكون الشهر عنوانا لما بين الهلالين يكون الاستصحاب عند الشك في بقاء النهار أو اليوم أو الشهر من الاستصحاب في بقاء الشيء القار لاحتمال بقاء كونه بين المبدأين حتى بنظر العقل.

هذا كله فيما إذا كان الشك في بقاء الأمر التدريجي من جهة الشك في الرافع والمانع أو حصول الغاية أو عدم حصولها لا من جهة كمية الماء النابع من المادة أو الدم في الرحم وإلّا يكون الاستصحاب في جريان الماء أو خروج الدم مورد إشكال والشك في البقاء من غير هذه الجهة كما إذا شك في بقاء الجريان من جهة بطء الحركة وسرعتها.

ثمّ ذكر قدس‌سره ولعل عدم فرق في الجريان بين هذه الجهة وجهة الشك بعدم إحراز المقدار والكمية ؛ لأن المعتبر في الاستصحاب صدق نقض اليقين بالشك الكافي فيه اتحاد متعلق اليقين والشك عرفا وبنظره المسامحي ويظهر من آخر كلامه في المقام أن الموجب لوحدة الفعل المتصرم بنفسه كالقراءة والتكلم ليس مجرد عدم الانقطاع وتخلل العدم عرفا بل هو مع بقاء العنوان الخاص لتلك الأجزاء حيث قال : لو شك في بقاء القراءة باعتبار الشك في بقاء أجزاء السورة التي شرع في قراءتها فمع معلومية تلك السورة يكون الاستصحاب في بقاء قراءتها من الشك في بقاء الشخص أو القسم الأول من الكلي وإذا لم تعلم تلك السورة بعينها وترددت بين القصيرة والطويلة يكون الاستصحاب في قراءتها من الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي

٢٦٢

ولا يعتبر في الاستصحاب ـ بحسب تعريفه وأخبار الباب وغيرها من أدلته ـ غير صدق النقض والبقاء كذلك قطعا ، هذا مع أن الانصرام والتدرج في الوجود في الحركة ـ في الأين وغيره ـ إنما هو في الحركة القطعية ، وهي كون الشيء في كل آن في حدّ أو مكان ، لا التوسطية وهي كونه بين المبدأ والمنتهى ، فإنه بهذا المعنى يكون قارّا مستمرا.

______________________________________________________

وإذا أحرز الفراغ من السورة التي بدأ بقراءتها وشك في الشروع في قراءة السورة الاخرى كان الاستصحاب في بقاء القراءة من الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي ومقتضى هذا الكلام عدم جريان الاستصحاب في القراءة في القسم الأخير ولو مع عدم تخلل السكوت والعدم على تقدير الشروع في الاخرى.

وذكر المحقق النائيني قدس‌سره أن الأفعال التدريجية الاختيارية كالمشي والقراءة تكون وحدتها وتعددها بوحدة الداعي للفاعل وتعدده. ويترتب على ذلك أنه فيما أحرز ارتفاع الداعي المحرز واحتمل المشي والقراءة لحصول داع آخر له فلا يجري الاستصحاب ؛ لأن الشك يتعلق بحدوث غير ما كنا على يقين منه.

وربّما يورد على ذلك بأن الموجب للوحدة عرفا في مثل الحركة ليس هو الداعي بل اتصال الأجزاء وعدم تخلل العدم بينها حتى مع تعدد الداعي في قطعات الزمان ، وعليه فلو أحرزت الحركة وشك في بقائها أم انقطاعها فلا مانع من الاستصحاب ، ويشهد لذلك أنه لو سجد للصلاة وبقي في السجدة بداع آخر من الدواعي المباحة كالاستراحة فلا يحكم ببطلان صلاته للزيادة فيها. أقول : النقض غير وارد فإن كلام المحقق النائيني في الأفعال غير القارة لا في مطلق الأفعال حتى ما يعد في العرف من الأفعال القارة ، والسجدة من هذا القبيل. نعم ، كون الموجب للوحدة في الأفعال التدريجية هو الداعي غير تام ؛ ولذا لو مشى إلى بلد بداع ثم حصل له داع

٢٦٣

فانقدح بذلك أنه لا مجال للإشكال في استصحاب مثل الليل أو النهار وترتيب ما لهما من الآثار ، وكذا كلما إذا كان الشك في الأمر التدريجي من جهة الشك في انتهاء حركته ووصوله إلى المنتهى ، أو أنه بعد في البين ، وأما إذا كان من جهة الشك في كميّته ومقداره ، كما في نبع الماء وجريانه ، وخروج الدم وسيلانه ، فيما كان سبب الشك في الجريان والسيلان الشك في أنه بقي في المنبع والرحم

______________________________________________________

آخر للمشي إلى بلد آخر يكون بينهما مسافة فلا يقال إنه سافر سفرين مع فرض عدم تخلل العدم في البين ، وكذا لو حصل له داع إلى قراءة نصف قصيدة ثمّ حصل الداعي إلى إتمامها مع عدم تخلل العدم في قراءة أجزائها فلا يقال أنه قرأ قراءتين إلى غير ذلك.

أقول : توضيح الحال في المقام بحيث يظهر حال ما ذكره الماتن وغيره قدس‌سره أن المصحح للوحدة في التدريجيات التي لا تعد من الأفعال الاختيارية أحد أمرين :

الأول ـ اتصال الأجزاء وعدم تخلل العدم بينها سواء كان تخلله قليلا أو كثيرا مثل وحدة حركة الشيء فإن المصحح لعدّ حركته حركة واحدة عدم تخلل سكونه في البين ولو توقفت السيارة من حركتها لعارض ما ثمّ تحركت يصح أن يقال عرفا إنها تحركت مرتين ففي الاولى تحركت ساعة وبعد توقفها في ثوان تحركت ثانية ففي مثل هذه الموارد لا مجال للاستصحاب في حركتها إذا احتمل بقاء حركتها بعد تلك الثواني بل يجري في بقائها على توقفها ، ومن هذا القبيل الاستصحاب في جريان نبع الماء أو جريانه في النهر فإنه مع إحراز توقفه عن النبع أو الجريان يجري الاستصحاب في ناحية توقفه لا نبعه أو جريانه ، وما عن الماتن قدس‌سره من أن تخلل العدم غير ضار لا يمكن المساعدة عليه. نعم ، لو احرز النبع أو الجريان بعد التوقف المفروض وشك في بقاء النبع أو الجريان وحصول التوقف ثانية فلا بأس بالاستصحاب في ناحية النبع

٢٦٤

.................................................................................................

______________________________________________________

والجريان المحرزين بعد ذلك التوقف.

الأمر الثاني ـ انطباق عنوان على مجموع الأجزاء بحيث لا ينافي انطباقه عليها تخلل الفصل بين تلك الأجزاء سواء كان قصيرا أو غير قصير كما في بقاء الحيض حيث إن المرأة إذا رأت الدم ثلاثة أيام متوالية ثمّ حصل لها النقاء ثلاثة أيام أو أقل أو أكثر ثمّ رأت الدم يوما قبل عشرة أيام فالمجموع حيض واحد ، ولو شكت المرأة بعد حصول فترة النقاء وعود الدم ثانيا في انقطاع حيضها فالاستصحاب في ناحية حيضها لا إشكال فيه في نفسه ، وإذا شكت في خروج الدم بعد نقائها يكون الاستصحاب في عدم رؤيتها الدم بعد نقائها ينفي حيضها.

وأما الأفعال الاختيارية التي ذكر المحقق النائيني قدس‌سره أن حافظ وحدتها هو الداعي إليها والقراءة التي تعرض لها الماتن قدس‌سره وفرض فيها أقسام الكلي فما كان منها مركبا اعتباريا فالوحدة فيه تابعة لاعتبار المعتبر فيمكن أن يعتبر الفعلين اللذين بينهما فصل طويل فعلا واحدا ، وفي غيره يكون المصحح لكون المجموع أمرا واحدا اتصال الأجزاء عرفا وقد يكون الفصل القصير مضرا بالوحدة كالتوقف في المشي فإن التوقف قليلا يوجب أن يكون المشي بعده مشيا ثانية ، وفي مثل ذلك لو أحرز التوقف عن المشي واحتمل تجدده فيستصحب عدمه إلّا إذا انطبق على المشي عنوان لا ينتفي بالتوقف في الأثناء كعنوان السفر حيث لا يضر باستمرار السفر التوقف عن المشي في الأثناء قصيرا أو طويلا وقد لا يكون الفصل القصير مضرا بوحدته وصيرورة المجموع عملا واحدا مستمرا كما إذا لم يكن عادة حصوله بلا فصل بين الأجزاء كالقراءة والتكلم فإن الفصل المتعارف بين الكلمات والجمل لا يضر بوحدة التكلم والقراءة وفي مثل ذلك لو شك في بقاء القراءة وانقطاعها

٢٦٥

فعلا شيء من الماء والدم غير ما سال وجرى منهما ، فربما يشكل في استصحابهما حينئذ ، فإن الشك ليس في بقاء جريان شخص ما كان جاريا ، بل في حدوث جريان جزء آخر شك في جريانه من جهة الشك في حدوثه ، ولكنه يتخيل بأنه لا يختل به ما هو الملاك في الاستصحاب ، بحسب تعريفه ودليله حسبما عرفت.

______________________________________________________

يستصحب بقاؤها سواء كان منشأ الشك احتمال انقطاعها أو انتهائها ثم إن الموجود الخارجي فيما إذا عد بحسب اتصال الأجزاء فعلا واحدا ، وكان كل من قطعاته معنونة بعنوان خاص يعتبر ذلك الموجود بالإضافة إلى عناوين قطعاته أشياء متعددة فإن كان الأثر المرغوب مترتبا على عنوان تلك الأجزاء بعنوان وسيع يصدق على البعض والكل فيجري الاستصحاب في بقائها وعدم انقطاعها أو انتهائها ، ويكون ذلك من قبيل الاستصحاب في الشخص ، وإن كان الأثر المرغوب مترتبا على خصوص تلك العناوين الخاصة للأجزاء أو لمجموعها فلا يفيد الاستصحاب في بقاء الأجزاء حصول تلك العناوين فضلا عن حصول مجموعها.

وعلى ذلك فلو كان لكون شخص حال قراءة القرآن أثر شرعي للغير وشك ذلك غير في بقاء القارئ على قراءته ولو بشروعه بقراءة سورة اخرى بعد الفراغ من السورة التي فرغ عنها فالاستصحاب في بقاء قراءته جار وليس من الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي ؛ لأن القراءة على تقدير استمرارها قراءة واحدة بالإضافة إلى عنوان قراءة القرآن.

نعم ، لو كان الأثر لخصوص قراءة سورة فلانية وفلانية وعلمنا بشروعه في أحدهما واحتملنا شروعه بعد قراءته في الاخرى فلا يثبت بالاستصحاب أنه قرأ السورة الاخرى أيضا لما ذكرنا من أن القراءة الواحدة بالإضافة إلى عناوين قطعاته متعددة فما ذكر الماتن قدس‌سره من تصوير الاستصحاب في أقسام الكلي خلط بين أثر

٢٦٦

.................................................................................................

______________________________________________________

العناوين الخاصة ومجموعها وبين الأثر لعنوان العام والمفروض في كلامه هو الأثر المترتب على القراءة لا على القطعات ولذا جرى الاستصحاب في صورة تردد السورة المقروءة بين السورتين وسماه بالاستصحاب في القسم الثاني من الكلي.

ومما ذكرنا يظهر أنه لو كان لإتمام السورة الفلانية أثر خاص وعلمنا أن القارئ شرع في قراءتها واحتملنا أنه ارتدع ولم يتمها فالاستصحاب في قراءتها لا يثبت أنه أتمها وإنما يترتب عليه أثر القارئ يقرأ تلك السورة كما يجري الاستصحاب في ناحية عدم إتمامها ويظهر من كلام سيدنا الاستاد قدس‌سره أن الوحدة في مثل التكلم والقراءة مما ذكرنا أن لقطعاته عنوانا خاصا ليست لاتصال الأجزاء أصلا وذلك لتخلل العدم بينهما بالتنفس وغيره بل الموجب للوحدة فيها العنوان الاعتباري فيقال لمجموع الأجزاء أنها قصيدة أو سورة فلانية أو غير ذلك ، ويعتبر في جريان الاستصحاب رعاية احتمال بقاء ذلك العنوان ، وإذا شرع في قصيدة وشك في أنها القصيدة الطويلة أو القصيرة يكون الشك في بقاء القراءة من قبل الشك في المقتضي ، وإذا علم أنه شرع في قراءة سورة فلانية واحتمل تحقق المانع من إتمامها يكون الشك في البقاء قبل الشك في الرافع وإذا أحرز الفراغ عنها وشك في أنه شرع في سورة اخرى فلا مجال للاستصحاب إلّا في ناحية عدم الشروع في قراءتها.

ولكن يرد على ما ذكره بأنه إذا شرع في قراءة سورة طويلة بقصد قراءتها ثمّ قطعها لطولها وشك أنه قرأ بعد ذلك باقيها ولو في مجلس آخر أم لا فاللازم الالتزام بجريان الاستصحاب في قراءتها ؛ لأن اعتبار المشكوك بقاء لقراءتها ليس باتصال عرفي في قراءة أجزائها بل وحدة العنوان وهو حاصل مع الفصل الطويل أيضا ولا أظن الالتزام بجريان الاستصحاب في قراءتها بل يجري في الفرض الاستصحاب

٢٦٧

ثم إنه لا يخفى أن استصحاب بقاء الأمر التدريجي ، إما يكون من قبيل استصحاب الشخص ، أو من قبيل استصحاب الكلّي بأقسامه ، فإذا شك في أن السورة المعلومة التي شرع فيها تمت أو بقي شيء منها ، صح فيه استصحاب الشخص والكلي ، وإذا شك فيه من جهة ترددها بين القصيرة والطويلة ، كان من القسم الثاني ، وإذا شك في أنه شرع في أخرى مع القطع بأنه قد تمت الأولى كان من القسم الثالث ، كما لا يخفى. هذا في الزمان ونحوه من سائر التدريجيّات. وأما

______________________________________________________

في عدم قراءتها بعد قطعها بل إذا أحرز قراءة باقيها يصدق أنه قرأ السورة بمرتين من القراءة وبقراءتين ولا يقاس في عود دم الحيض بعد فترة النقاء وانقطاعه قبل عشرة أيام حيث اعتبره الشارع ذلك الدم بتمامه حيضا واحدا بحكمه على النقاء أنه جزء الحيض ولم يحكم بالسكوت الطويل بأنه جزء القراءة وهذا ظاهر كما هو الحال أيضا في فترة التوقف أثناء سفر واحد بيوم أو أكثر حيث حكم الشارع بدخولها في السفر وأنه لا يقطعها إلّا إقامة عشرة أيام أو البقاء ثلاثين يوما مترددا.

عدم جريان الاستصحاب في الشبهات المفهومية بلا فرق بين عناوين الأزمنة وغيرها

ثمّ إن ما تقدم من جريان الاستصحاب في بقاء الزمان سواء قيل بأن الزمان داخل في الحركة القطعية أو التوسطية فيما إذا كان الشك فيه بنحو الشبهة الموضوعية ، وأما إذا شك في عناوين قطعات الزمان بنحو الشبهة المفهومية كما إذا لم نحرز أن انتهاء اليوم ودخول الليل يكون باستتار قرص الشمس عن الافق الغربي أو بذهاب الحمرة المشرقية فلا مجال للاستصحاب في ناحية العناوين وجودا وعدما ، ولا في ناحية الحكم المترتب عليها حدوثا أو عدما بل لا بد من الرجوع إلى أصل آخر من البراءة أو الاشتغال وليس ذلك مختصا بالزمان بل لا مجال للاستصحاب في شيء من موارد الشبهة المفهومية لا في ناحية الموضوع ولا في ناحية الحكم حيث

٢٦٨

الفعل المقيد بالزمان ، فتارة يكون الشك في حكمه من جهة الشك في بقاء قيده ، وطورا مع القطع بانقطاعه وانتفائه من جهة أخرى ، كما إذا احتمل أن يكون التعبد به إنما هو بلحاظ تمام المطلوب لا أصله [١] ، فإن كان من جهة الشك في بقاء القيد ، فلا بأس باستصحاب قيده من الزمان ، كالنهار الذي قيد به الصوم مثلا ، فيترتّب

______________________________________________________

إن خطابات «لا تنقض اليقين بالشك» ظاهرها فرض متيقن ومشكوك خارجيين وليس الأمر في موارد الشبهة المفهومية كذلك بل لا شك في الخارج أصلا مثلا الأجزاء السابقة على استتار القرص كانت من النهار يقينا فلا شك في أنها قد انتهت والأجزاء التي تكون من بعد الاستتار وقبل ذهاب الحمرة المشرقية موجودة يقينا والشك في أنه يعمها اسم اليوم أو الليل بخلاف ما إذا كانت الشبهة موضوعية فإن الشك في بقاء الآنات التي تكون قبل استتار القرص واحتمال انتهائها خارجا أما عدم جريانه في ناحية الحكم لعدم اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة وجريان الأصل في عدم جعل الحكم بنحو الوسيع كما هو الحال في جميع الشبهات الحكمية التي يشك فيها في سعة التكليف المجعول وضيقه.

جريان الاستصحاب في الزمان فيما إذا شك في الفعل المقيد

[١] القسم الثالث من التدريجيات وهو الفعل المقيد بالزمان حيث تكون تدريجية الفعل بتبع تدريجية قيده يعني الزمان فقد ذكر الماتن قدس‌سره أن الشك في بقاء الحكم في هذا القسم أما من جهة الشك في بقاء قيد الفعل أي الزمان ، واخرى يكون الشك في بقاء حكمه من غير ناحية الزمان بأن أحرز انقضاء ذلك الزمان واحتمل بقاء الفعل على حكمه بعده ؛ لأن التقييد بالزمان فيه كان بلحاظ تمام المطلوب لا بلحاظ أصل مطلوبيته أما القسم الأول فلا بأس بالاستصحاب في ناحية القيد يعني الزمان كالنهار المقيد به الصوم فيترتب على بقائه وجوب الفعل كوجوب الإمساك وعدم

٢٦٩

عليه وجوب الإمساك وعدم جواز الإفطار ما لم يقطع بزواله ، كما لا بأس باستصحاب نفس المقيد ، فيقال : إن الإمساك كان قبل هذا الآن في النهار ، والآن كما كان فيجب ، فتأمل.

______________________________________________________

جواز الإفطار. نعم ، هذا فيما إذا كان الشك في بقاء النهار بنحو الشبهة الخارجية ، وأما إذا كان بنحو الشبهة الحكمية فلا مجرى للاستصحاب في ناحية الزمان كما تقدم وإن لم يتعرض لذلك الماتن قدس‌سره.

ولكن قد يورد على جريان الاستصحاب في ناحية الزمان في هذا القسم بأن متعلق الوجوب الفعل المقيد به أي الفعل الخاص ، والاستصحاب في ناحية نفس الزمان لا يثبت أن الفعل هو الفعل في ذلك الزمان ليجب الإتيان به ، وبتعبير آخر ليس الزمان مجرد شرط الوجوب والتكليف بل هو قيد للمأمور به فلا يحرز أن الفعل هو الفعل المقيد به ليجب ، نعم يمكن إحراز ذلك في مثل الصوم حيث نفس الفعل كان في السابق هو الفعل المقيد بذلك الزمان ، ومقتضى الاستصحاب بقاؤه على ما كان ، وأما إذا لم يكن لنفس الفعل حالة سابقة كما إذا شك المكلف لغيم ونحوه في انقضاء النهار وغروب الشمس ولم يصلّ الظهرين فالاستصحاب في ناحية النهار لا يثبت أن صلاته صلاة في النهار وقبل غروب الشمس ، وقد دفع هذا الإشكال بأنه يجري في ناحية الفعل في هذا الفرض الاستصحاب التعليقي بدعوى أنه لو صلى هذه الصلاة قبل ذلك كانت صلاة في النهار وقبل غروب الشمس والآن هذه الصلاة كما كانت ، وفيه ما لا يخفى فإنه لو بنى على جريان الاستصحاب التعليقي في التكليف المشروط بدعوى أن التكليف المشروط قسم من الحكم الشرعي فيستصحب عند الشك في بقائه في موضوعه لم يتم ذلك في التعليق في متعلقات التكاليف وموضوعاتها فإن التعليق فيها مجرد أمر عقلي فإن العقل يستقل في أنه مع حصول

٢٧٠

.................................................................................................

______________________________________________________

ذات المقيد إن حصل قيده حصل المقيد بما هو مقيد ، والمتحصل القضية المذكورة ليست من التكليف ولا موضوع له ولا يحرز أن الفعل في هذا الزمان إيجاد لمتعلق التكليف حتى يحرز وجوبه.

إحراز بقاء التكليف المتعلق بالفعل المقيد بالزمان بالاستصحاب في ناحية الزمان المشروط به التكليف

وقد يقال يمكن إحراز كون الصلاة في الآن المشكوك صلاة في النهار أو صوما في النهار بالاستصحاب في ناحية الزمان بمفاد (كان) الناقصة بدعوى أن الزمان بنفسه هوية واقعية مستمرة وكان متصفا بالنهار أو قبل الغروب سابقا ويشك في بقائه على ما كان فيحرز أنه نهار أو قبل الغروب فمع الصلاة في ذلك الزمان لتم إحراز الصلاة في النهار. حيث لا معنى للصلاة في النهار أو قبل الغروب إلّا الإتيان بالصلاة في زمان يكون متصفا بالنهار أو قبل الغروب ، ولكن لا يخفى ما فيه فإن الزمان لو لم يكن في نفسه أمرا موهوما وسلمنا أن له هوية واقعية ولكن استمراره باتصال الأجزاء وعدم انقطاع الحركة ولكن تختلف قطعاته عرفا بحسب العناوين والآن المفروض المشكوك كونه من النهار أو من الليل لم يحرز سابقا ليستصحب ، وبتعبير آخر المتصف بالنهار سابقا ليس هذا الآن ولا يمكن إجراء الاستصحاب في ناحية الزمان بحسب العناوين إلّا بمفاد (كان) التامة فإن كان استصحابه بهذا المفاد مفيدا في إحراز أن المأتي به صلاة في الليل أو في النهار فهو ، وإلّا فلا يفيد استصحاب الزمان في إثبات وجوب المتعلق بالفعل المقيد به حيث لا يحرز أن المأتي به هو الفعل المقيد به.

٢٧١

كفاية الاستصحاب في الزمان بمفاد كان التامة في إحراز تحقق الفعل المقيد بالزمان

اللهم إلّا أن يقال إحراز بقاء التكليف لا يحتاج إلى إحراز أن المأتي به ينطبق عليه عنوان متعلق التكليف بل يكفي فيه احتمال الانطباق ؛ ولذا لو قام المكلف من نومه وقد بقي إلى الغروب مقدار صلاة أربع ركعات وكان ثوبه منحصرا في مشتبهين أحدهما طاهر والآخر نجس فإنه لا ينبغي التأمل في أنه لا يجوز له ترك صلاة العصر بعذر أنه لا يمكن له إحراز الإتيان بصلاة العصر في ثوب طاهر بل إذا لم يمكن الموافقة القطعية للتكليف المحرز بالعلم أو بالأصل فعليه الموافقة الاحتمالية ومعها لا يجب عليه القضاء لعدم إحراز فوت الفريضة في وقتها ، وفيما نحن فيه أيضا الزمان شرط للتكليف أيضا أو القدرة على المتعلق موضوع له وبالاستصحاب في الزمان أو القدرة على المتعلق يثبت بقاء التكليف ومقتضاه مع عدم إمكان إحراز انطباق متعلق التكليف على المأتي به يكفي احتماله ، ولعل ما ذكر الماتن قدس‌سره فإن كان الشك في بقاء القيد فلا بأس باستصحاب قيده من الزمان كالنهار الذي قيد به الصوم فيترتب عليه وجوب الإمساك وعدم جواز الإفطار ما لم يقطع بزواله ، وما في ذيل كلامه من قوله فتأمل يكون إشارة إلى أن عدم جريان الاستصحاب في الفعل المقيد بالزمان في مثل الصلاة في النهار وجعل الزمان قيدا للتكليف مع كونه شرطا لمتعلقه لا محذور فيه بل جعله قيدا للتكليف بنحو الشرط المقارن يوجب أن لا يجب على المكلف تحصيل مقدمات الواجب قبله وإلّا لو كان قيدا لمتعلق التكليف فقط لكان الواجب بنحو الواجب المعلق المشروط بالقدرة حال زمان الفعل فيجب تحصيل مقدماته ولو قبل ذلك الزمان.

٢٧٢

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يقال : الاستصحاب في عدم تحقق الصلاة في النهار بالصلاة في الآن المفروض لا أثر له ؛ لأنه لا يثبت فوت الواجب على تقدير الإتيان بها في ذلك الوقت كما أنه لا يثبت أن التكليف بالصلاة في النهار في ذلك الوقت من تكليف العاجز عن المتعلق ليكون هذا الاستصحاب حاكما على استصحاب الزمان المثبت للتكليف بها ، أضف إلى ذلك أنه لا مجرى للاستصحاب في عدم تحقق الصلاة في النهار أصلا بل يحرز بالاستصحاب في بقاء النهار وفعل الصلاة تحقق الصلاة في النهار فإنه كما يحرز بالاستصحاب في غير الزمان من قيود الواجب كالوضوء وبقاء الستر تحقق الصلاة بالوضوء أو الستر كذلك بالاستصحاب في ناحية النهار مع الإتيان بذات الواجب يحرز تحقق الصلاة في الزمان. وبيان ذلك أن اتصاف الفعل بالزمان أي واقع اتصافه به ليس من قبيل اتصاف المعروض بعرضه حيث إن الشيء على تقدير كونه موضوعا لحكم أو متعلقا لتكليف فلا بد في موارد إحرازه بالاستصحاب من ثبوت الحالة السابقة بمفاد (كان) الناقصة كما إذا حكم الشارع بالاعتصام على الماء الكر وبالتجهيز بالميت المسلم فإذا شك في كرية ماء أو إسلام ميت فلا بد من الحالة السابقة للاتصاف في الحكم باعتصام ذلك الماء وإلّا جرى الاستصحاب في ناحية عدم اعتصامه ولو بنحو الاستصحاب في العدم الأزلي ، وكذا فيما إذا كان الشك في وصف الأفعال المعدود من العرض لها كالشدة والضعف ، وأما إذا لم يكن قيد الموضوع أو المتعلق من قبيل العرض لذات الموضوع أو المتعلق بل كان من الجوهر والعرض لمعروض آخر أو كان الموضوع أو المتعلق من عرضين فمعنى كونه قيدا لهما اجتماعهما مع ذات الموضوع أو المتعلق المعبر عنه بمفاد (واو) الجمع فإن ورد الأمر في خطاب بإكرام زيد يوم الجمعة فمعنى كون يوم الجمعة قيدا لإكرامه أن

٢٧٣

وإن كان من الجهة الاخرى فلا مجال إلّا لاستصحاب الحكم في خصوص ما لم يؤخذ الزمان فيه إلّا ظرفا لثبوته [١] لا قيدا مقوما لموضوعه وإلّا فلا مجال إلّا

______________________________________________________

يحصل إكرامه مع حصول يوم الجمعة وليس المراد عنوان الجمع والمعية بل ما هو منشأ لانتزاعهما ، وعلى ذلك فلو شك في بقاء نهار الجمعة فالاستصحاب في ناحيتها وإكرام زيد في ذلك الزمان موجب لإحراز إكرامه يومها. نعم ، لو كان عنوان المعية والحالية وغيرها من العناوين الانتزاعية بنفسه موضوعا للحكم أو متعلقا للتكليف فلا يفيد الاستصحاب في ناحية بقاء نفس القيد في إحراز حصول ذلك العنوان ؛ ولذا ذكر جماعة من الأصحاب أنه لو كبر المأموم لصلاة مع كون الإمام راكعا وشك في أنه أدرك في ركوعه ركوع الإمام يحكم ببطلان صلاته كما عن بعض ، وبطلان جماعته عن بعض آخر ؛ لأن المعتبر في إدراك الجماعة بحسب الرواية حصول عنوان الحالية كما هو ظاهر (الواو) الحالية في قوله عليه‌السلام : «إذا ركع والإمام راكع» (١) لا بمعنى مجرد الاجتماع في الزمان ركوعهما كما هو مفاد (واو) الجمع فإن إثبات الأمر الانتزاعي بالاستصحاب في منشأ انتزاعه أصل مثبت ، والمتحصل ما ورد في الخطابات الشرعية بصوم نهار شهر رمضان والصلاة في الليل والنهار عدم دخالة العناوين الانتزاعية كالظرفية ونحوها بل المطلوب واقع الاجتماع بين الفعل والزمان وهذا يحرز بالفعل وإحراز الزمان بالاستصحاب.

الشك في التكليف بعد انقضاء الزمان الذي كان قيدا للواجب

[١] وتعرض الماتن قدس‌سره لحكم الفعل فيما بعد ذلك الزمان وذكر ما حاصله قد يلاحظ الزمان ظرفا لثبوت الحكم المتعلق بالفعل من غير أن يكون قيدا مقوما

__________________

(١) التهذيب ٣ : ٤٣.

٢٧٤

لاستصحاب عدمه فيما بعد ذاك الزمان ، فإنه غير ما علم ثبوته له ، فيكون الشك في ثبوته له ـ أيضا ـ شكّا في أصل ثبوته بعد القطع بعدمه ، لا في بقائه.

______________________________________________________

لموضوعه ففي مثل ذلك لا بأس بالاستصحاب في ناحية الحكم بعد ذلك الزمان فيما لم يتم الدليل على ارتفاعه بأن شك احتمل بقائه ، بخلاف ما إذا كان الزمان قيدا مقوما لموضوعه بحيث على تقدير ثبوت الحكم لذلك الفعل بعد ذلك الزمان يعد حكما آخر ففي مثل ذلك لا يكون مجال إلّا لاستصحاب عدم ثبوت هذا الحكم.

ثمّ ناقش أولا في جريان الاستصحاب في القسم الأول بأن الزمان مع أخذه في خطاب الحكم يكون قيدا للموضوع ودخيلا في صلاح الفعل المقيد به وأجاب بأن هذا بحسب نظر العقل لعدم إمكان فرض دخالة أمر ولو يؤخذ في خطاب الحكم ظرفا إلّا أنه بحسب نظره يرجع إلى قيد الموضوع والمراد من الموضوع كما يظهر من كلامه متعلق الحكم أي الفعل ولكن بنظر العرف يكون الموضوع هو الفعل وثبوت الحكم له في الزمان الأول مقطوع وفي الثاني مشكوك.

وناقش ثانيا بأنه إذا كان الزمان ظرفا لثبوت الحكم في الزمان في الفرض الأوّل بنظر العرف وقيدا لموضوعه أي متعلقه بنظر العقل يكون المورد من موارد جريان الاستصحاب في ناحية عدم حدوث تكليف آخر بعد ذلك الزمان بلحاظ النظر الدقي ومن موارد الاستصحاب في بقاء الحكم لذلك الفعل بالنظر العرفي فيتعارضان كما ذكره الفاضل النراقي قدس‌سره وأجاب عن ذلك بأن أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك لم ترد بلحاظ كلا النظرين لعدم إمكان الأخذ بكل منهما للمنافاة بينهما فلا بد من أن يكون بلحاظ أحدهما وحيث إنها ناظرة إلى الشك في البقاء بنظر العرف يكون الاستصحاب في ناحية التكليف في فرض ظرفية الزمان للحكم بلا معارض كما أن الاستصحاب في ناحية عدم حكم آخر فيما إذا كان الزمان قيدا للفعل بعد ذلك

٢٧٥

لا يقال : إن الزمان لا محالة يكون من قيود الموضوع وإن أخذ ظرفا لثبوت الحكم في دليله ، ضرورة دخل مثل الزمان فيما هو المناط لثبوته ، فلا مجال إلّا لاستصحاب عدمه.

فإنه يقال : نعم ، لو كانت العبرة في تعيين الموضوع بالدقة ونظر العقل ، وأمّا إذا كانت العبرة بنظر العرف فلا شبهة في أن الفعل بهذا النظر موضوع واحد في

______________________________________________________

الزمان بلا معارض وذلك لعدم كون الحكم بعد ذلك الزمان من بقاء التكليف الأول حتى بنظر العرف ثمّ قال : نعم ، لا يبعد فيما إذا تعلق التكليف بالفعل المقيد بالزمان واحتمل تعدد الملاك الملزم ؛ أحدهما قائم بذات الفعل ، والآخر بوقوعه في ذلك الزمان ليكون الفعل فيه تمام المطلوب وكامله أن يجري الاستصحاب بعده في نفس الفعل فإنه يتحد المتعلق في إحدى مرتبتي الطلب حتى بنظر العقل.

لا يخفى أن الزمان بنفسه ظرف فيكون بما هو ظرف قيدا للفعل أو الحكم والتكليف أو لهما معا وإذا فرض أنه قيد للفعل يكون التكليف المتعلق بالفعل المقيد بذلك الزمان متعلقا لتكليف واحد سواء كان فيه ملاكان ملزمان أو كان فيه ملاك ملزم واحد ، وإذا كان فيه ملاكان أحدهما قائم بذات الفعل ، والآخر بالفعل في خصوص ذلك الزمان فالتكليف المتيقن هو التكليف المتعلق به في ذلك وقد ارتفع بعده يقينا فيكون الشك في تعلق تكليف آخر بذاته عند ارتفاع التكليف الأول ، وبتعبير آخر الفعل في ذلك الزمان الخاص ليس من الفعلين بأن يتعلق لكل منهما تكليف ؛ ولذا لو أتى المكلف به في ذلك الزمان يكون المأتي به مصداقا لما تعلق به التكليف ولو أمر الشارع بالإتيان في أول ذلك الزمان لا يكون أمره إلّا إرشادا إلى أفضل الأفراد لا أمرا تكليفيا ندبيا مستقلا غير ما تعلق به التكليف الإلزامي.

٢٧٦

الزمانين ، قطع بثبوت الحكم له في الزمان الأول ، وشك في بقاء هذا الحكم له وارتفاعه في الزمان الثاني ، فلا يكون مجال إلّا لاستصحاب ثبوته.

لا يقال : فاستصحاب كل واحد من الثبوت والعدم يجري لثبوت كلا النظرين ، ويقع التعارض بين الاستصحابين ، كما قيل.

______________________________________________________

في عدم جريان الاستصحاب في وجوب الفعل المقيد بزمان بعد انقضاء ذلك الزمان

وعلى الجملة الاستصحاب في بقاء التكليف بعد انقضاء الزمان المقيد به الفعل يكون من الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي الذي اعترف الماتن بعدم جريانه على ما تقدم. نعم ، لو كان التكليف المجعول مشروطا بمجيء زمان ويشك في أن التكليف دائر مدار بقاء ذلك الزمان أو أن مجيء ذلك الزمان دخيل في فعلية ذلك التكليف فقط لا في بقائه كما إذا علم بوجوب إخراج الفطرة بدخول أول شوال ، ولكن لم يعلم أن بقاء وجوبه دائر مدار بقاء أول شوال أيضا أو أن دخوله موجب لفعلية وجوب إخراج الفطرة وبقائه نظير ما إذا علم بانفعال الماء الكثير بحدوث التغير فيه بأوصاف النجس الذي أصابه ولكن لا يدري أن بقاء تنجسه أيضا دائر مدار بقاء التغير وعدمه ففي مثل ذلك لا بأس بالاستصحاب في بقاء التكليف المتعلق بالفعل بناء على جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ويكون الفرض في الحقيقة من الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي ؛ لأن المكلف لا يدري أن الوجوب الفعلي قصير ينقضي بانقضاء ذلك كانقضاء الانفعال عن الماء الكثير بانقضاء تغيّره أو أن الوجوب الفعلي فرد طويل من التكليف لا ينقضي بانقضائه ولكن هذا خارج عن المفروض في المقام حيث إن المفروض في المقام تعين الإتيان بالفعل قبل خروج ذلك الزمان والشك في تعينه أيضا بعد ذلك الزمان لمن عصى وتركه في الزمان الأول أو تركه فيه لعذر عقلي أو شرعي والاستصحاب في مفروض

٢٧٧

.................................................................................................

______________________________________________________

المقام لا يكون إلّا من الاستصحاب في القسم الثالث من الكلي كما تقدم بل لو كان الشك في التكليف من القسم الثاني من الكلي أيضا لكان الاستصحاب في عدم جعل التكليف بنحو الوسيع حاكما على الاستصحاب في بقاء التكليف بعد انقضاء ذلك الزمان بل الاستصحاب في عدم جعل التكليف الوسيع عين نفي الوجوب الفعلي بعد انقضاء الزمان الأول ولا يعارض هذا الاستصحاب بالاستصحاب في عدم جعل التكليف المختص بالزمان الأول ؛ لأنه لا أثر له لأن ثبوته في الزمان الأول قطعي وعدم جعله لخصوصه لا يثبت جعل الوسيع.

حتى لو قيل بأن الاستصحاب في بقاء التكليف الفعلي بعد انقضاء زمان الأول من الاستصحاب في القسم الأول من الكلي بل من الاستصحاب من الشخص أي شخص التكليف الفعلي لكان الاستصحاب في عدم جعله بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان نافيا لثبوته بعده فإن ثبوت التكليف بعد ذلك الزمان ثبوتا يحتاج إلى الجعل ؛ لأن الحكم والتكليف أمر اعتباري يحتاج إلى الجعل والاعتبار والاستصحاب في عدم جعله نفي لذلك الحكم المجعول في مقام الجعل والاستصحاب في بقاء المجعول الفعلي لا يثبت جعله بنحو الوسيع كما ذكرنا سابقا في عدم جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية.

عدم جريان الاستصحاب في بقاء التكليف مع عدم الدليل على إطلاقه

وقد ظهر مما ذكرنا أنه لو ثبت حكم وتكليف متعلق بالفعل في زمان وشك في كون ذلك التكليف ينتهي بانتهاء ذلك الزمان أو أن يبقى بعد ذلك الزمان أيضا بحيث يكون ذلك الزمان دخيلا في حدوثه فقط دون بقائه فإن لم يكن في البين في خطاب ذلك الحكم إطلاق بحيث يقتضي بقاءه بعد ذلك الزمان أيضا ووصلت النوبة إلى

٢٧٨

فإنه يقال : إنما يكون ذلك لو كان في الدليل ما بمفهومه يعم النظرين ، وإلّا فلا يكاد يصح إلّا إذا سبق بأحدهما ، لعدم إمكان الجمع بينهما لكمال المنافاة بينهما ، ولا يكون في أخبار الباب ما بمفهومه يعمهما ، فلا يكون هناك إلّا استصحاب واحد ، وهو استصحاب الثبوت فيما إذا أخذ الزمان ظرفا ، واستصحاب العدم فيما إذا أخذ قيدا ، لما عرفت من أن العبرة في هذا الباب بالنظر العرفي ، ولا شبهة في أنّ الفعل فيما بعد ذاك الوقت مع ما قبله متحد في الأول ومتعدد في الثاني

______________________________________________________

الأصل العملي لا يجري الاستصحاب في بقاء ذلك الحكم المجعول الفعلي ، وهذا فيما إذا كان الحكم انحلاليا بانحلال المتعلق ظاهر كما إذا علمنا بحرمة وطي الحائض بحدوث حيضة ويشك في أن حرمته ثابتة حتى بعد انقطاع الدم وقبل اغتسالها أو دائر مدار بقاء الحيض فلا يجري الاستصحاب في ناحية حرمة وطيها إلى زمان اغتسالها ؛ لأن المتيقن من جعل الحرمة هو الوطي زمان الحيض والأصل عدم جعل الحرمة لوطيها بعد الحيض وقبل الاغتسال.

وعلى الجملة ففي مثل هذا المورد بما أن الحصة من الوطي فعل آخر يشك في ثبوت حرمة مستقلة لها فمقتضى الأصل عدم جعل الحرمة لتلك الحصة ، وأما إذا لم يكن الحكم والتكليف انحلاليا بأن كان متعلق التكليف صرف وجود الفعل أو الفعل المستمر بحسب عمود الزمان بحيث يحسب ذلك الفعل على تقدير بقاء التكليف هو الفعل الأول كما إذا شك في أن المبيت بمنى في ليالي المبيت هل ينتهي وجوبه بانتصاف الليل إلى طلوع الشمس أو بانتصاف بملاحظة طلوع الفجر أو شك في أن وجوب إخراج الفطرة ينتهي أمده إلى انقضاء يوم الفطر أو أن وجوبه يستمر إلى ما بعده أيضا ففي مثل ذلك الاستصحاب في عدم جعل الوجوب بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان يجري لا أنه يتعارض مع الاستصحاب في بقاء الحكم المجعول الفعلي

٢٧٩

.................................................................................................

______________________________________________________

ويتعارضان ويتساقطان بل الاستصحاب في عدم جعل الحكم بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان علم بعدم سعة الحكم المجعول فلا يبقى موضوع للاستصحاب في ناحية بقاء المجعول.

لا يقال : ما الفرق بين الامور الواقعية الخارجية التي لها أثر شرعي في حدوثها وبقائها أو في بقائها فقط وبين الامور الاعتبارية التي يدخل فيها الحكم الشرعي والتكليفي ، ولا ينبغي التأمل بل لا خلاف في جريان الاستصحاب في ناحية بقاء تلك الامور الواقعية فيما إذا شك في بقائها ولم يتوهم أحد الاستصحاب في ناحية عدمها السابق على وجوداتها بعد انتقاض ذلك العدم بالوجود وكيف يقال بالاستصحاب في ناحية عدم التكليف بعد انقضاء الزمان المتيقن من وجوده مع أن عدم التكليف السابق أيضا انتقض بالتكليف الحادث يقينا مثلا إذا وجب الإمساك عن المفطرات قبل غيبوبة قرص الشمس عن الافق الغربي ويحتمل بقاؤه إلى ذهاب الحمرة الشرقية فلا محذور في الاستصحاب في ناحية بقاء وجوب الإمساك الفعلي المتيقن السابق إلى ذهابها. نعم ، إذا علم بوجوب فعل مقيد بزمان مخصوص وشك في وجوب الفعل بعد ذلك الزمان بحيث يكون على تقدير وجوبه تكليفا آخر فيجري الاستصحاب في عدم جعل وجوب آخر بعد ذلك الزمان فالقائل بالتعارض بين استصحاب بقاء الحكم الفعلي المجعول وبين الاستصحاب في ناحية عدم الجعل متهافت في قوله فإنه يأخذ الزمان ونحوه قيدا للفعل فيدعي الاستصحاب في عدم الجعل بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان ونحوه ، وينظر إلى الظرفية والحالية للفعل فيدعي الاستصحاب في بقاء المجعول مع أنه لا مورد في الأول إلّا لاستصحاب عدم تكليف آخر كما أنه لا مورد في الثاني إلّا للاستصحاب في ناحية

٢٨٠