دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-09-3
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤١٦

بحسبه ، ضرورة أن الفعل المقيد بزمان خاص غير الفعل في زمان آخر ، ولو بالنظر المسامحي العرفي.

نعم ، لا يبعد أن يكون بحسبه ـ أيضا ـ متحدا فيما إذا كان الشك في بقاء حكمه ، من جهة الشك في أنه بنحو التعدد المطلوبي ، وأن حكمه بتلك المرتبة التي كان مع ذاك الوقت وإن لم يكن باقيا بعده قطعا ، إلّا أنه يحتمل بقاؤه بما دون تلك المرتبة من مراتبه فيستصحب ، فتأمل جيدا.

______________________________________________________

بقاء التكليف المجعول.

فإنه يقال : ليس المعارض للاستصحاب في المجعول الفعلي عدم فعلية ذلك المجعول قبله ليقال بأن ذلك العدم قد انتقض بالوجود كما في الاستصحاب في ناحية الامور الخارجية ، بل المعارض له عدم جعل التكليف الوسيع بحيث يعم الزمان الثاني أو الحال الطاري فإن بقاء عدم هذا الجعل في مقام جعل الأحكام محتمل كما ذكروا في وجه المعارضة وثبوت التكليف الوسيع لكونه أمرا اعتباريا تكون سعته كأصله بالاعتبار ومقتضى الاستصحاب عدم اعتباره وجعله.

لا يقال : استصحاب عدم جعل التكليف الوسيع بحيث يعم الزمان الثاني أو الحال الطاري لا يثبت عدم ثبوت التكليف المجعول الفعلي في ذلك الزمان أو الحال لعدم ترتب شرعي بين ثبوت الجعل وثبوت المجعول لينفى الثاني بنفي الأول.

فإنه يقال : نفي المجعول بنفي جعله لا يكون من الأصل المثبت ، وإلّا لم يمكن إثبات المجعول الفعلي باستصحاب بقاء جعله وعدم نسخه ، والسر في ذلك ما ذكرنا من أن الحكم في مقام الفعلية بعينه الحكم في مقام الجعل ، وليس الاختلاف بينهما في نفس المنشأ المجعول بل الاختلاف بينهما بفعلية الموضوع وكونه بنحو التقدير حيث إن الموضوع في مقام الجعل التقديري وفي مقام الفعلية فعلي ومقتضى

٢٨١

.................................................................................................

______________________________________________________

الاستصحاب عدم هذا المجعول في مقام إنشاء الأحكام واعتباراتها بعدم اعتباره ، وهذا فيما إذا كان الجعل بعنوان القضية الحقيقية ، وأما إذا كان الجعل بنحو القضية الخارجية ففعلية الحكم عين اعتباره واعتباره عين فعليته أوضح ؛ ولهذا ذكرنا أن مع جريان الاستصحاب في عدم الجعل لا يبقى شك بالإضافة إلى ثبوت المجعول بل يعلم عدمه ، وعلى الجملة اعتبار المجعول يعني المنشأ مقوم للإنشاء وجعل الحكم وداخل فيه ، والاستصحاب في عدم الجعل في مقام جعل الأحكام بنفيه والاستصحاب في بقاء المجعول الفعلي السابق لا يثبت جعله الوسيع ، ونظير ذلك ما قلنا في اختلاف الزوجين في دوام العقد وانقطاعه من أنّ الأصل الجاري في عدم إنشاء عقد النكاح الدائمي ينفي الزوجية بالإضافة إلى مدة الانقطاع والاستصحاب في بقاء الزوجية الفعلية السابقة لا يثبت العقد الدائم والاستصحاب في عدم عقد الانقطاع لا أثر له لكون الزوجية في تلك المدة محرزة بالوجدان.

لا يقال : الاستصحاب في عدم التكليف الوسيع بحيث يعم حال انقضاء الزمان الأول أو الحالة الأولية يعارض مع استصحاب عدم جعل الإباحة للفعل بعد ذلك الزمان أو تلك الحالة فيتعارضان ويتساقطان ويرجع إلى الاستصحاب في بقاء التكليف الفعلي السابق.

فإنه يقال : قد ذكرنا سابقا أن كون الأصل المسببي في طول الأصل السببي إنما هو في فرض جريان الأصل السببي وأما مع عدم جريانه فإن كان الأصل المسببي مستفادا من خطاب خاص فلا بأس بالأخذ به وأما إذا كان مستفادا مما يستفاد منه الأصل السببي يكون الأصل المعارض للأصل المسببي معارضا مع المسببي أيضا ، والمفروض أن الأصل الجاري في المقام مستفاد من خطابات لا تنقض اليقين

٢٨٢

إزاحة وهم : لا يخفى أن الطهارة الحدثية والخبثية [١] وما يقابلها يكون مما إذا وجدت بأسبابها ، لا يكاد يشك في بقائها إلّا من قبل الشك في الرافع لها ، لا من قبل الشك في مقدار تأثير أسبابها ، ضرورة أنها إذا وجدت بها كانت تبقى ما

______________________________________________________

بالشك ، وعلى ذلك فالاستصحاب في عدم جعل التكليف يعارض الاستصحاب في عدم جعل الإباحة الاستصحاب في بقاء التكليف ويرجع بعد تساقطها إلى أصالة البراءة عن التكليف بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان أو الحال مع أنه يمكن أن يقال بأن الاستصحاب في عدم جعل الإباحة لا ينافي عدم جعل التكليف لإمكان خلو الواقعة عن الحكم المجعول واقعا بل عدم جعل التكليف الإلزامي لفعل عين الترخيص الشرعي فيه.

[١] ثمّ إنه قد ذكر النراقي قدس‌سره جريان المعارضة بين الاستصحابين في الأحكام الوضعية أيضا فيما إذا كانت الشبهة حكمية كما إذا شك في كون المذي ناقضا للوضوء أو كون الغسل مرة كافيا في الحكم بطهارة المغسول وظاهر كلامه أن الأصل في عدم كون الوضوء سببا للطهارة بعد خروج المذي مقتضاه عدم بقاء الطهارة فيكون معارضا للأصل في عدم رافعية المذي المقتضي لبقائها ، وكذا الحال في الخبث فإن الأصل في عدم كون الغسل مرة رافعا للخبث يعارضه الأصل في عدم كون الملاقاة سببا للتنجس بعد الغسل مرة فيتساقطان وأورد الماتن قدس‌سره على ما ذكره بأنه لا معنى في موارد الشك في الرافعية والناقضية للشك في مقدار تأثير السبب ، بل يبقى المسبب إلى أن يوجد أحدهما ، ولا فرق في ذلك بين الامور الخارجية والاعتبارية ؛ ولذا لا مورد للاستصحاب في مثل الفرضين إلّا لعدم كون المذي رافعا أو كون الغسل مرة مطهرا.

أقول : التأثير في الوضوء ونحوه لا مورد له في الأحكام الشرعية بالإضافة إلى

٢٨٣

لم يحدث رافع لها ، كانت من الأمور الخارجية أو الأمور الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية ، فلا أصل لأصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي ، وأصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة ، كما حكي عن بعض الأفاضل ، ولا يكون هاهنا أصل إلّا أصالة الطهارة أو النجاسة.

الخامس ـ أنه كما لا إشكال فيما إذا كان المتيقن حكما فعليا مطلقا لا ينبغي الإشكال فيما إذا كان مشروطا [١] معلقا.

______________________________________________________

موضوعاتها ، بل الشك يرجع إلى سعة الحكم الذي هو أمر اعتباري سواء كان الملاك في متعلق التكليف أو في الموضوع للحكم الوضعي والشك في المثالين في أن اعتبار الوضوء السابق طهارة حتى بالإضافة إلى ما بعد خروج المذي أو أنه اعتبر طهارة إلى خروجه الذي ينتزع منه عنوان الناقض والرافع فالاستصحاب في ناحية بقاء الوضوء أو كونه طهارة بعد خروج المذي يعارضه الاستصحاب في ناحية عدم اعتباره طهارة إلى ما بعد خروجه ، وكذا الكلام في الاستصحاب في ناحية الخبث ونحوه بل ذكرنا أن الاستصحاب في عدم اعتبار الوضوء طهارة كما ذكر حاكم على الاستصحاب في ناحية الطهارة الفعلية السابقة ما بعد خروج المذي.

الاستصحاب في الحكم التعليقي

[١] يقع الكلام في المقام في جهتين :

الاولى ـ جريان الاستصحاب في ناحية الحكم التعليقي كجريانه في الحكم التنجيزي أو أنه لا يجري في ناحية الحكم التعليقي لعدم تمامية أركان الاستصحاب في موارد الشك في الحكم التعليقي.

والثانية ـ في معارضة الاستصحاب على تقدير جريانه فيه بالاستصحاب في الحكم التنجيزي الثابت في مورده أو عدمها ، وقد ذكر الماتن أنه لا فرق في اعتبار

٢٨٤

فلو شك في مورد لأجل طروء بعض الحالات عليه في بقاء أحكامه ، ففيما صح استصحاب أحكامه المطلقة صح استصحاب أحكامه المعلقة ، لعدم الاختلال بذلك فيما اعتبر في قوام الاستصحاب من اليقين ثبوتا والشك بقاء.

______________________________________________________

الاستصحاب بين كون المتيقن حكما تنجيزيا أو حكما مشروطا معلقا فلو شك في بقاء الحرمة التعليقية التي كانت للعنب بعد صيرورته زبيبا فكما يجري الاستصحاب في بقاء حكمه التنجيزي السابق لو شك فيه بعد صيرورته زبيبا ككونه ملكا كذلك يجري في ناحية بقاء حرمته التعليقية لعدم الاختلال في ركني الاستصحاب بتعليق الحكم المتيقن السابق والشك في بقائه. وعلى الجملة الحرمة التعليقية التي كانت للعنب سابقا سنخ من الحرمة في مقابل الحرمة التنجزية وكان ذلك السنخ ثابتا له حال كونه عنبا ويشك في بقائه بعد صيرورته زبيبا ودعوى أن الحرمة التعليقية ليست بشيء فإن المعلق على شيء لم يحصل غير حاصل لا يمكن المساعدة عليها.

فإنه إذا لم تكن الحرمة المعلقة شيئا أصلا فكيف يتوجه الخطاب بها إلى المكلف فيقول : اجتنب عن العنب إذا غلى وعلى ما ذكره سابقا من كون خطابات الاستصحاب متممة لدلالة الدليل الدال على الحالة السابقة فيما كان مهملا أو مجملا بالإضافة إلى حكم الحالة اللاحقة يكون الاستصحاب في المقام متمما لدلالة ما دلّ على حرمة العنب إذا غلى حيث ببركته يحرز ثبوت الحكم المذكور للعنب بعد صيرورته زبيبا أيضا.

أقول : المثال المذكور في المقام غير صحيح فإن العنوان المحكوم عليه بحكم قد لا يكون دخيلا في بقاء الحكم وأن المعنون به إذا دخل تحت عنوان آخر أيضا يبقى حكمه كما إذا حكم بحلية الحنطة فإن تلك الحلية تثبت للمعنون وإن دخل تحت عنوان العجين والخبز كما أنه قد يكون الحكم الثابت للشيء بعنوان يكون

٢٨٥

.................................................................................................

______________________________________________________

بقاؤه أيضا دائرا مدار ذلك العنوان كحرمة الخمر ونجاستها فإن الحرمة كالنجاسة ترتفع بارتفاع عنوان الخمر بصيرورته خلا فلا مجال للاستصحاب في هذا القسم إلّا بالإضافة إلى الشبهة الخارجية كما إذا شك في صيرورته خمرا أو صيرورة الخمر خلا أما القسم الأول فلا مجال للاستصحاب فيه ، وقد يكون المأخوذ عنوانا للموضوع أو قيدا له دخيلا في فعلية الحكم حدوثا ولكن يحتمل ثبوته للمعنون بعد زوال العنوان بأن يكون العنوان أو القيد دخيلا في فعلية الحكم حدوثا لا بقاء ، والكلام في اعتبار الاستصحاب في الشبهات الحكمية ناظر إلى اعتباره في هذا القسم بأن يكون العنوان أو القيد من قبيل الجهة التعليلية بالإضافة إلى الحكم عرفا ، وعلى ذلك لو كان الوارد في الخطابات الشرعية النهي عن العنب بطبخه لكان البحث في الاستصحاب في حرمة الزبيب عند طبخه من الاستصحاب في الشبهة الحكمية ولكن الوارد فيها حرمة العصير العنبي إذا غلى وبعد صيرورة العنب زبيبا لا يبقى ماء العنب فلا بقاء للمعنون خارجا بعد صيرورته زبيبا ، وأن الحرمة الثابتة للعنب بغليانه لا تختلف ثبوتا بين إن ورد في الخطاب الشرعي العنب إذا غلى يحرم ، وبين إن ورد حرمة العنب المغلي وذلك فإن كون شيء قيدا للحكم في الخطاب مقتضاه فرض وجود ذلك القيد وفعليته في فعلية ذلك الحكم ومع عدم حصوله لا حكم لعدم جعل ذلك الحكم في فرض عدمه كما أن مقتضى أخذ القيد قيدا للموضوع في الخطاب فرض فعلية ذلك القيد في فعلية الحكم فلا اختلاف بين قيد الحكم وقيد الموضوع في مقام الثبوت ، وإنما يختلف كون شيء قيدا للحكم وقيدا للموضوع في مقام الإثبات والدلالة حيث لو كان قيدا للموضوع في الخطاب لما كان له دلالة على عدم ثبوت الحكم للموضوع مع حصول أمر آخر غير ذلك القيد كالنشيش في العصير فيرجع في مورد ذلك الأمر الآخر إلى دليل آخر أو أصل عملي كأصالة الحلية والبراءة بخلاف ما

٢٨٦

.................................................................................................

______________________________________________________

إذا كان في الخطاب قيد لنفس الحكم كما إذا كان الخطاب بنحو القضية الشرطية فإنه بمفهوم الشرطية يدلّ على عدم الحرمة للعصير والعنب مع عدم الغليان ، وهذا يرتبط بمقام الإثبات والدلالة والحاصل مجرى الاستصحاب هو بقاء الحكم المتيقن السابق ثبوتا ، وأما انتفاء مدلول الخطاب فهو أمر قطعي ، وما في كلام الماتن من أن الاستصحاب متمم لدلالة الدليل الدال على الحالة السابقة كما ترى.

والمتحصل الشك في المجعول ثبوتا وأنه وسيع يعمّ الزبيب بغليانه أم لا وإذا فرض الغليان في زبيب فليس للحرمة في ذلك الزبيب حالة سابقة عند كونه عنبا لعدم غليانه في تلك الحال فلا مورد لاستصحاب الحرمة فيه حتى بناء على جريانه في الشبهات الحكمية ، وبتعبير آخر ليس ـ بحسب مقام الثبوت ـ للحرمة سنخان : حرمة تنجيزية ، وحرمة مشروطة تعليقية بحيث تكون للحرمة فعلية قبل حصول الشرط وفعلية القيد ليقال : إن المستصحب في موارد الاستصحاب التعليقي ذلك السنخ من الحرمة. نعم ، فيما كان الشك في بقاء الجعل ثبوتا أو اختصاصه بزمان كما في النسخ الشرعي بحيث لا يكون للعنب بعد ذلك الزمان حرمة عند غليانه فهذا يدخل في الاستصحاب عند الشك في النسخ ، ويأتي الكلام فيه في بحث الاستصحاب في الأحكام الثابتة في الشرائع السابقة ، وهذا الاستصحاب أمر آخر لا يرتبط بالبحث في المقام ، والاستصحاب عند الشك في النسخ راجع إلى بقاء الحكم المجعول في مقام جعله بحسب عمود الزمان ، وفي المقام الشك في سعة الحكم الفعلي السابق بحيث يعم الموجود الفعلي أي الزبيب في المثال أو ضيقه مع العلم ببقاء المجعول أولا بحسب مقام الجعل يقينا وعدم نسخه بحسب عمود الزمان.

لا يقال : الاستصحاب في الشبهات الحكمية في ناحية بقاء الحكم والتكاليف

٢٨٧

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يتوقف على فعلية ذلك الحكم والتكليف وإشغالهما صفحة الوجود في زمان وإلّا لم يجر الاستصحاب في شيء من الشبهات الحكمية التي يصحح جريانه فيها فرض فعلية التكليف والحكم بفرض فعلية الموضوعات والقيودات لها. فإنه يقال : نعم ، يجري الاستصحاب في الشبهات الحكمية بفرض فعلية التكليف والحكم بفرض فعلية الموضوعات لهما والاستصحاب في الحكم التعليقي أيضا يكون بفرض فعلية الشرط في المتيقن.

فإنه يقال : فرض فعلية الموضوع في الاستصحاب في الشبهات الحكمية إنما يصحح الاستصحاب فيما إذا لم تكن الحالة المشكوكة في بقاء الحكم منافية لفرض الفعلية السابقة بأن يمكن ثبوت الحكم وفعليته في الحالة السابقة وبقاء تلك الفعلية في الحالة اللاحقة وهذا لا يتحقق في موارد الاستصحاب التعليقي ؛ لأن الزبيب حالته لا تجتمع مع غليانه حالة العنب.

ما قيل في تقرير جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية

ومما تقدم يظهر ما في كلام بعض الأعلام (طاب ثراه) حيث ذكر ما حاصله أن التعليق في المقام يتصور على أنحاء :

منها ـ ما إذا كان ترتب حكم على موضوع تعليقيا بمعنى أن ثبوت الحكم على الموضوع على تقدير حصول أمر كما هو مفاد قوله عليه‌السلام : «الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شيء» (١) أو أنه : إذا غلى العصير حرم (٢) فإن الاعتصام المجعول للماء على تقدير

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢ ، الباب ٢ ، الماء الذي لا ينجسه شيء.

(٢) انظر وسائل الشيعة ١٧ : ٢٢٩ ، الباب ٣ من أبواب الأشربة المحرمة.

٢٨٨

وتوهم أنه لا وجود للمعلق قبل وجود ما علق عليه فاختل أحد ركنيه فاسد ، فإنّ المعلق قبله إنما لا يكون موجودا فعلا ، لا أنه لا يكون موجودا أصلا ، ولو بنحو التعليق ، كيف؟ والمفروض أنه مورد فعلا للخطاب بالتحريم ـ مثلا ـ أو الإيجاب ، فكان على يقين منه قبل طروء الحالة فيشك فيه بعده ، ولا يعتبر في الاستصحاب

______________________________________________________

حصول الكرّية فيه وترتب الحرمة على العصير على تقدير تحقق غليانه.

ومنها ـ ما إذا جعل الحكم لموضوع مقيد كما إذا ورد الماء الكر لا ينفعل ، وأن العصير المغلي حرام.

ومنها ـ السببية في الحرمة بأن يجعل لغليان العصير السببية في حرمة العصير ، وللكرية السببية في اعتصام الماء.

ومنها ـ جعل الملازمة بين كرية الماء واعتصامه أو بين غليان العصير وحرمته والسببية والملازمة كل منهما حكم وضعي والحكم الوضعي كالحكم التكليفي قابل للجعل والتشريع ولا يقاس بالسببية التكوينية أو الملازمة التكوينية وإجراء ما للثانية على الاولى خلط بين التكوين والتشريع.

ثمّ إن الجعل إذا كان بالنحو الأول من الأنحاء الأربعة يكون تعليق حكم الموضوع على حصول ذلك الأمر شرعيا ، وعلى تقدير الجعل بالنحو الثاني يكون تعليق حكم الموضوع على حصول ذلك الأمر عقليا حيث جعل الحكم على الموضوع المقيد وحيث إن المعتبر في جريان الاستصحاب فعلية نفس اليقين والشك ومدلول أخبار الاستصحاب هو أن اليقين لإبرامه لا يرفع اليد عنه بالشك ولا يعتبر فيه فعلية المتيقن والمشكوك بل لا بد من كون المستصحب مما له أثر عملي أو ينتهي إلى الأثر العملي فورود الخطاب بأنه إذا غلى العصير يحرم مع كونها قضية تعليقية ولا يتضمن حكما فعليا عمليا إلّا أن مقتضى الاستصحاب بقاء القضية

٢٨٩

.................................................................................................

______________________________________________________

التعليقية حال صيرورته زبيبا ، وبقاؤها ينتهي إلى الأثر العملي حيث تترتب الحرمة على الزبيب بغليانه ، ولا يكون هذا من الأصل المثبت ؛ لأن ترتب الحرمة على العنب والزبيب بالغليان شرعي ، ولا يعتبر في الاستصحاب أزيد من ذلك. ودعوى رجوع تحريم العصير على تقدير غليانه في الحقيقة إلى جعله للعصير المغلي خلاف الفهم العرفي ؛ لأن الغليان في النحو الأول واسطة في الثبوت في التحريم ، وفي الثاني واسطة في العروض ولو فرض اتحادهما بنظر العقل فإنه لا يمنع من الاستصحاب ؛ لأن العبرة في جريانه بالنظر العرفي لا العقلي بل لو فرض رجوعهما إلى أمر واحد فيمكن أيضا جريان الاستصحاب في بقاء العنب بعد صيرورته زبيبا في كونه جزءا لموضوع الحرمة ، ولا يعتبر في جريان الاستصحاب كون شيء تمام الموضوع أو الحكم الشرعي الفعلي.

ثمّ ذكر أن السببية والملازمة وإن يمكن جعلها شرعا ويجري الاستصحاب فيهما بعد صيرورة العنب زبيبا إذ معنى الاستصحاب ومقتضاه التوسعة في السببية والملازمة وعدم اختصاصهما بحال العنب إلّا أن ترتب الحرمة على الزبيب بعد غليانه لا تثبت بهذا الاستصحاب حيث إن حصول المسبب أو اللازم بوجود السبب والملازمة عقلي إلّا أن يفسر الملازمة بترتب الحرمة على العنب أو الزبيب بعد غليانهما فيكون هذا رجوعا من المبني يعني كون المجعول نفس الملازمة والسببية.

في الجواب عما قيل في جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية

أقول : قد تقدم عند التكلم في الحكم الوضعي أن جعل السببية لشيء بالإضافة إلى حكم تكليفي بل وضعي غير معقول حيث إن الحكم أمر جعلي اختياري فيحتاج ثبوته لموضوعه إلى الجعل والإنشاء فإن اريد من سببية غليان العصير أو العنب

٢٩٠

إلّا الشك في بقاء شيء كان على يقين من ثبوته ، واختلاف نحو ثبوته لا يكاد يوجب تفاوتا في ذلك.

وبالجملة : يكون الاستصحاب متمّما لدلالة الدليل على الحكم فيما أهمل أو أجمل ، كان الحكم مطلقا أو معلقا ، فببركته يعم الحكم للحالة الطارئة اللاحقة كالحالة السابقة ، فيحكم ـ مثلا ـ بأن العصير الزبيبي يكون على ما كان عليه سابقا في حال عنبيّته ، من أحكامه المطلقة والمعلّقة لو شك فيها ، فكما يحكم ببقاء

______________________________________________________

لحرمتها أن بالغليان يحدث في تناول العصير والعنب مفسدة تدعو إحرازه الحاكم إلى جعل الحرمة فهذا يكون بالتكوين لا بالجعل الشرعي بلا فرق بين أن يكون الموجد للمفسدة نفس الغليان أو كان الغليان يستلزم حصولها وإن اريد بالسببية أن حدوث الغليان للعصير بعد جعل السببية توجب حدوث الحرمة بلا إنشاء الحرمة بأن تكون الحرمة من الامور القهرية فهذا أمر غير معقول ؛ لأن الأثر الإنشائي لا يوجد إلّا بالإنشاء ولو كان إنشاؤه من قبل بنحو القضية الحقيقية ، وإن اريد من السببية جعل الحرمة للعصير عند غليانه فهذا يرجع إلى جعل الحرمة للعصير أو العنب بأحد النحوين الأولين ، ومرجعهما إلى جعل الحرمة للعصير باعتبار أن غليانه قيد لحرمته أو لموضوعها وذكرنا أن الخطاب إذا تضمن ثبوت الحرمة للعصير أو العنب فقد يكون الغليان في ذلك الخطاب قيدا لنفس الحرمة كما هو مدلول قوله : العصير إذا غلى يحرم ، وقد يكون قيدا لنفس العصير كما إذا قال : العصير المغلي حرام ، ولكن هذا الاختلاف إنما هو في المدلول الاستعمالي ومقام الإثبات ، وأما بالإضافة إلى مقام الثبوت لا اختلاف بين الفرضين وهو كون الحرمة مجعولة للعصير عند غليانه فلا يكون الحرمة المجعولة بالإضافة إلى عصير أو عنب لا غليان فيه ، وإنما يكون اختلاف الخطابين في المدلول الاستعمالي فقط حيث إنه إذا اخذ الغليان قيدا

٢٩١

ملكيّته يحكم بحرمته على تقدير غليانه.

إن قلت : نعم ، ولكنه لا مجال لاستصحاب المعلق لمعارضته باستصحاب ضده المطلق [١] فيعارض استصحاب الحرمة المعلقة للعصير باستصحاب حليّته المطلقة.

______________________________________________________

الموضوع فلا يكون له مفهوم بناء على الصحيح من عدم المفهوم للوصف ، بخلاف ما أخذ في الخطاب شرطا لنفس الحرمة من غير ذكر عدل له فإن مقتضاه ثبوت دلالة اخرى للخطاب المسمى بالمفهوم وإذا ظهر أن العصير أو العنب الذي لم يحدث له غليان لم يجعل له حرمة ، ومجرى الاستصحاب كما ذكرنا هو الحكم الثابت في مقام الثبوت في الحالة السابقة تكون نتيجة ذلك أن الزبيب الفعلي عند كونه عنبا لم يكن لا تمام الموضوع للحرمة ولا جزأه إذ لم يحدث فيه غليان وإلّا لم يمكن أن يصير زبيبا فكيف يصح أن يقال يستصحب جزئيته لموضوع الحرمة بعد صيرورته زبيبا.

[١] هذه هي الجهة الثانية وهي دعوى أن استصحاب الحرمة التعليقية للعنب مثلا بعد صيرورته زبيبا يعارضه الاستصحاب في ناحية حلية الزبيب التي كانت قبل غليانه فإن مقتضاه بقاؤها بعد غليانه أيضا ، وقد أجاب الشيخ والنائيني قدس‌سرهما بأن الاستصحاب في الحرمة التعليقية وثبوتها حال الزبيب أيضا حاكم على الاستصحاب في حلية الزبيب ؛ لأن الشك في حلية الزبيب بعد غليانه مسبب عن الشك في بقاء الحرمة التعليقية التي كانت عند كونه عنبا ، ولكن لا يخفى أن الاستصحاب في ناحية الحرمة التعليقية مقتضاه فعلية الحرمة للزبيب عند غليانه ، وأما ارتفاع حلّية الزبيب عند غليانه فهو لازم عقلي لبقاء تلك الحرمة التعليقية ؛ لأن الزبيب كسائر الأشياء لا يمكن أن يكون بعد غليانه حراما وحلالا ، وإذا ثبتت حرمته ترتفع حليته ، وإذا ثبتت حليته لا يمكن أن تثبت حرمته. وبتعبير آخر مجرد كون الشك في شيء موجبا

٢٩٢

.................................................................................................

______________________________________________________

للشك في شيء آخر لا يوجب أن يكون بين الشيئين ترتب شرعي بأن يكون التعبد بأحدهما أو بالعلم بأحدهما موجبا لرفع الشك عن الآخر بل التسبيب الشرعي ينحصر في موردين :

الأول ـ ما إذا كان ثبوت شيء أو عدمه أثرا شرعيا لثبوت الآخر أو عدمه كترتب طهارة المغسول المتنجس على طهارة الماء المغسول به.

والثاني ـ ما إذا كان مفاد أحد الأصلين الحكم عند الشك في شيء ومفاد الأصل الآخر نفي الشك في ذلك الشيء كما في حكومة الاستصحاب في حرمة شيء بالإضافة إلى أصالة الحلية أو أصالة البراءة في حرمة ذلك الشيء مثلا إذا شك في بقاء العصير على حرمته بعد غليانه وصيرورته دبسا قبل ذهاب ثلثيه حيث إن مقتضى الاستصحاب العلم بحرمته فلا يبقى موضوع لأصالة الحلية أو البراءة عن حرمته حيث إن مفاد القاعدة أو البراءة حلية المشكوك ورفع الاحتياط عن احتمال الحرمة لا العلم بالحلية ، ولذا يعتبر في هذا القسم من الحكومة اختلاف الأصل الحاكم والأصل المحكوم في السنخ ، وفي غير ذلك يقع التعارض بين الأصلين وان كان الشك في أحدهما موجبا للشك في الآخر إذا لم يكن بين المشكوكين ترتب شرعي كما في ما نحن فيه حيث إن التعبد بالحلية الفعلية بعد غليان الزبيب لا يجتمع مع التعبد بحرمته الفعلية بعده.

وأجاب الماتن قدس‌سره عن المعارضة بأن الحلية الثابتة للزبيب قبل غليانه بعينها هي الحلية الثابتة للعنب قبل غليانه غاية الأمر أن الحلية للعنب قبل غليانه وحرمته بعد غليانه كانتا بدلالة الدليل ولكن الحلية للزبيب ما لم يغل وحرمته بعد غليانه كانتا

٢٩٣

.................................................................................................

______________________________________________________

بالاستصحاب في الحلية والحرمة المعلقة وثبوتها حال الزبيب ، ومن الظاهر عدم المنافاة بين الاستصحاب في كل منهما مع الاستصحاب في الاخرى ولو فرض أنهما كانتا مدلولي الخطابين كنا نأخذ بكلا الخطابين بلا منافاة بينهما وعلى ذلك فمقتضى ثبوت الحلية للزبيب ما لم يغل ارتفاعها بعد غليانه حيث إن ارتفاعه عنده أثر شرعي لكون الحلية مغياة بعدم الغليان كما أن مقتضى الاستصحاب في ناحية الحرمة المعلقة بالغليان حصولها بحصول الغليان ، وبتعبير آخر الحلية للزبيب قبل غليانه وإن كانت متيقنة إلّا أنها مرددة بين أن تكون هي الحلية التي كانت له عند كونه عنبا وبين كونها الحلية المطلقة الاخرى والاستصحاب في بقاء تلك الحلية التي كانت له عند كونه عنبا وعدم حدوث حلية اخرى فيه مقتضاه ارتفاع حليته بالغليان فيكون ارتفاع الحلية عنه بحصول الغليان من ارتفاع الحكم بارتفاع موضوعه نظير إثبات ارتفاع الحدث لمن كان محدثا بالأصغر ثمّ خرج منه بلل مردد بين البول والمني بالوضوء حيث إن ارتفاعه بالوضوء مقتضى الاستصحاب في بقاء حدثه السابق وعدم تبدله بالجنابة.

لا يقال : المستصحب بعد غليان الزبيب هي الحلية المتيقنة الثابتة له قبل الغليان وتلك الحرمة مرددة بين كونها هي التي كانت له عند كونه عنبا أي الحلية المغياة وبين كونها هي الحلية المطلقة الحادثة عند كونه زبيبا فالمستصحب هو الجامع بنحو الاستصحاب في القسم الثاني من الكلي.

فإنه يقال : لا مجال في المقام للاستصحاب بنحو الكلي من القسم الثاني بل الاستصحاب يجري في نفس الحلية التي كانت له عند كونه عنبا حيث يحتمل بقاؤها عند كونه زبيبا أو تبدلها بحلية اخرى مطلقة ومقتضى الاستصحاب بقاؤها

٢٩٤

.................................................................................................

______________________________________________________

على ما كانت وعدم تبدلها بغيرها نظير ما ذكرنا في مثل احتمال تبدل الحدث الأصغر بالأكبر.

لا يقال : إذا جرى الاستصحاب في ناحية الحلية التي كانت للزبيب حال كونه عنبا وأحرز أن تلك الحلية ثابتة أيضا في الزبيب ما دام لم يغل بالاستصحاب فيحكم بعدم حليته بعد غليانه ولا حاجة إلى إتعاب النفس في استصحاب الحرمة التعليقية التي كانت له حال العنب ليقال : إن الاستصحاب في تلك الحرمة غير جار لعدم فعلية الحرمة حال كونه عنبا ليجري الاستصحاب فيها عند كونه زبيبا.

فإنه يقال : الاستصحاب في ناحية الحلية المغيّاة بالغليان غايته إحراز عدم الحلية بعد غليانه ، ولكنه لا يثبت حرمته بالغليان حيث إن الحلية الثابتة للعنب قبل غليانه كانت الحلية بالمعنى الأخص لا الحلية المقابلة للحرمة. نعم ، يمكن أن يقال : لا مجال للاستصحاب في الحلية بعد صيرورة العنب زبيبا ؛ لأن حليته بعد صيرورته زبيبا ما لم يغل يقينية ولكن الاستصحاب في الحرمة التعليقية بعد صيرورته زبيبا جار ومقتضى هذا الاستصحاب العلم بحرمة الزبيب بغليانه فلا يبقى شك في حرمته وحليته بعد غليانه ليجري الاستصحاب في ناحية بقاء حليته.

ثمّ إن الشيخ قدس‌سره ذكر في الرسالة جريان الاستصحاب في ناحية حرمة العصير بعد صيرورته عصيرا زبيبيا مع كون المستصحب حرمة تعليقية والتزم بأن هذا الاستصحاب يقتضي حرمة العصير الزبيبي بعد غليانه ، ولا يعارضه الاستصحاب في الحليّة الفعلية الثابتة للعصير الزبيبي قبل غليانه بل يقدم الأول على الثاني ، وذكر في بحث أصالة اللزوم في العقود في المكاسب أن الاستصحاب في بقاء الأثر وإن كان يقتضي اللزوم إلّا أنه لا يجري في مثل عقد المسابقة مما لا يتضمن أثرا فعليا بأن

٢٩٥

.................................................................................................

______________________________________________________

يكون أثره أمرا تعليقيا لكون العوض ملكا للسابق مع فعلية سبقه أو ملكا للموصى له على تقدير موت الموصي إلى غير ذلك فإنه يجري بعد فسخ أحد المتعاقدين وتحقق ما علق عليه الأثر الاستصحاب في ناحية عدم الأثر ، ولا يخفى أن ما ذكره في المكاسب متهافت مع ما ذكره في الرسالة مع أنه لا بد في مورد الشك في انفساخ العقد بفسخ أحد المتعاقدين من جريان الاستصحاب في ناحية بقاء العقد.

هذا كله بالإضافة إلى جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية ، وأما بالإضافة إلى التعليق في الموضوعات سواء كان مقتضى الاستصحاب الجاري في الموضوع التعليقي إحراز حكم كما إذا علم بأن الماء الخارجي بحيث لو أضيف إليه دلو من الماء لكان كرا ويشك في بقائه على ما كان فيراد إثبات كريته بعد إضافة الدلو ليترتب عليه اعتصامه أو كان الاستصحاب لإحراز سقوط التكليف بإحراز حصول متعلقه خارجا كما إذا كان المصلي قبل لبسه اللباس المشكوك فيه بحيث لو صلى لما كانت صلاته في غير مأكول اللحم وبعد لبسه يشك في كون صلاته كما كانت فلا مجرى للاستصحاب في شيء من الموردين حتى بناء على جريان الاستصحاب في الأحكام التعليقية وذلك فإن التعبد بالقضية التعليقية في موارد الأحكام التعليقية يقتضي فعلية ذلك الحكم بفعلية المعلق عليه بنحو العينية وليس الأمر كذلك في الموضوعات التعليقية ؛ لأن الحكم الشرعي لم يترتب على الأمر التعليقي بحسب جعل الشارع بل لموضوعه الفعلي الذي يكون تحققه أمرا قهريا بتحقق المعلق عليه فيما إذا كانت لتلك القضية التعليقية واقعية والاستصحاب لا يصحح الواقعية الفعلية بقاء إذا كان غير محرز وجدانا.

ولا يخفى أن كون المثال الثاني من موارد الاستصحاب في الموضوع التعليقي

٢٩٦

قلت : لا يكاد يضر استصحابه على نحو كان قبل عروض الحالة التي شك في بقاء حكم المعلّق بعده ، ضرورة أنه كان مغيّا بعدم ما علق عليه المعلّق ، وما كان كذلك لا يكاد يضر ثبوته بعده بالقطع فضلا عن الاستصحاب ، لعدم المضادّة بينهما ، فيكونان بعد عروضها بالاستصحاب كما كانا معا بالقطع قبل بلا منافاة

______________________________________________________

مبني على كون المطلوب الصلاة مقيدة بعدم وقوعها في أجزاء ما لا يؤكل (١) لحمه وتوابعه كما هو ظاهر النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل وأما لو بنى بالصلاة لم تتقيد بعدم وقوعها فيما لا يؤكل بل هي مقيدة بكون المصلي لو كان لابسا يعتبر في ذلك اللباس والمحمول أن لا يكون مما لا يؤكل لحمه فلا مورد لتوهم الاستصحاب التعليقي ؛ لأن اللباس أو محموله المفروض كونه من أجزاء الحيوان وتوابعه من أول أمره مردد بين كونه من مأكول اللحم أو من غيره فالاشتراط في نفس اللباس أو المحمول لا يحرز بذلك الاستصحاب. نعم ، لو كان المعتبر والاشتراط في ناحية المصلي بأن لا يكون المصلي لابسا لما لا يؤكل فالاستصحاب الجاري تنجيزي ويحرز وصف المصلي فهذه الفروض الثلاثة وإن تكون نتيجتها في مقام الثبوت أمرا واحدا إلّا أنه يختلف الحال بحسب مقام الإثبات بحسب جريان الاستصحاب وعدمه.

وذكر النائيني قدس‌سره في وجه عدم جريان الاستصحاب التعليقي في الموضوعات ومتعلقات التكاليف أنه يعتبر في جريان الاستصحاب اتحاد القضية المتيقنة والقضية المشكوكة ببقاء الجزء المقوم للموضوع فيهما ، والجزء المقوم له في مثال اللباس المشكوك هو الصلاة الواقعية خارجا بالفعل وهذه الصلاة التي يشك في كونها في غير المأكول لحمه لم تكن في السابق ليقال : إنها لم تكن مع غير مأكول اللحم قبل

__________________

(١) وسائل الشيعة ٣ : ٢٥١ ، الباب ٢ من أبواب لباس المصلي.

٢٩٧

أصلا ، وقضية ذلك انتفاء الحكم المطلق بمجرد ثبوت ما علّق عليه المعلّق ، فالغليان في المثال كما كان شرطا للحرمة كان غاية للحلّية ، فإذا شك في حرمته المعلّقة بعد عروض حالة عليه ، شك في حليّته المغيّاة لا محالة أيضا ، فيكون الشك في حليّته أو حرمته فعلا بعد عروضها متحدا خارجا مع الشك في بقائه على ما

______________________________________________________

لبس المشكوك واجيب عن ذلك بأنه وإن يعتبر في جريان الاستصحاب الموضوع في القضيتين إلّا أن المراد من البقاء ليس هو الوجود الخارجي للمستصحب مطلقا وإلّا لم يجر الاستصحاب في ناحية وجود الشيء وبقاء حياة زيد ، بل المراد اتحاد الموضوع في القضيتين المتيقنة والمشكوكة ، ومن الظاهر أن الموضوع في مثال الصلاة الطبيعي ، وأنها لو وقعت قبل لبس المشكوك أو أخذه معه لم يكن الطبيعي في غير مأكول اللحم ، ومقتضى الاستصحاب أنّ الطبيعي بعد لبسه أو أخذه معه كما كانت.

والحاصل أن متعلقات الأحكام ليست هي الأفراد والوجودات الخارجية من الطبائع ، والفرد الخارجي بما أنه حصول للطبيعي يكون مسقطا للتكليف فيقال في المثال أن التكبيرة إلى التسليمة لو كانت قبل لبس اللباس المشكوك لكان من إيجاد الطبيعي المتعلق به الوجوب والآن كما كانت وظرف الاستصحاب قبل أن يشرع المكلف بالإتيان بالطبيعي وهذا بناء على أن متعلق التكليف هو المقارن لعدم طبيعي ما لا يؤكل ، وليس المراد عنوان التقارن بل واقعه المعبر عنه بواو الجمع. وأما إذا كانت المانعية في غير مأكول اللحم انحلالية فالاستصحاب المذكور لا يفيد عدم مانعية المشكوك ، ولا يثبت أنه من غير مأكول اللحم بل لا يفيد جريان الاستصحاب في بقاء الطبيعي كما كان في إثبات الطبيعي بناء على عدم الانحلال أيضا وذلك فإن الاستصحاب المذكور يعارضه الاستصحاب في عدم وقوع صلاة في غير ما لا يوكل.

٢٩٨

كان عليه من الحلية والحرمة بنحو كانتا عليه ، فقضيّة استصحاب حرمته المعلّقة بعد عروضها الملازم لاستصحاب حليّته المغيّاة حرمته فعلا بعد غليانه وانتفاء حليته ، فإنه قضية نحو ثبوتهما كان بدليلهما أو بدليل الاستصحاب ، كما لا يخفى بأدنى التفات على ذوي الألباب ، فالتفت ولا تغفل.

السادس : لا فرق أيضا بين أن يكون المتيقن من أحكام هذه الشريعة أو الشريعة السابقة ، إذا شك في بقائه وارتفاعه [١] بنسخه في هذه الشريعة ، لعموم

______________________________________________________

أقول : الصحيح عدم الجريان في ناحية عدم تحقق الصلاة ولا في ناحية غيره فإن ظاهر خطاب النهي عن الصلاة فيما لا يؤكل لحمه إرشادا إلى المانعية انحلالي فكل من أفراد ما لا يؤكل عدم لبسه وعدم مصاحبته قيد للصلاة المأمور بها فيدور الأمر في الصلاة بين أن يتقيد بعدم هذا المشكوك أيضا أو لا يتقيد به فيدخل الفرض بين كون الواجب هو المطلق أو المقيد ، وقد تقدم في بحث الأقل والأكثر الارتباطيين جريان البراءة في ناحية وجوب المشروط كما تجري في ناحية عدم وجوب الأكثر.

هذا فيما لم يجر في ناحية المشكوك أصل ينقّح خروج المشكوك من أفراد المانع من عدم كونه جزءا من غير مأكول اللحم ولو بنحو الاستصحاب بنحو العدم الأزلي وإلّا فلا تصل النوبة إلى أصالة البراءة.

[١] قد يقال : كما أنه يجري الاستصحاب في موارد الشك في نسخ حكم هذه الشريعة على ما اتفق عليه أصحابنا حتى الأخباريين منهم كذلك يجري في مورد الشك في بقاء حكم من الشريعة السابقة فإن أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك يعم كلا الحكمين على حد سواء ، وربما يناقش في ذلك بعدم اليقين بثبوت الحكم بالإضافة إلى أهل الشريعة اللاحقة ، والمتيقن من ثبوته أنه حكم لأهل الشريعة السابقة ، وإذا لم يكن يقين بثبوته لأهل الشريعة اللاحقة فلا يكون الشك في بقائه

٢٩٩

أدلّة الاستصحاب ، وفساد توهم اختلال أركانه فيما كان المتيقن من أحكام الشريعة السابقة لا محالة ، إما لعدم اليقين بثبوتها في حقهم ، وإن علم بثبوتها سابقا في حق آخرين ، فلا شك في بقائها أيضا ، بل في ثبوت مثلها ، كما لا يخفى ، وإمّا لليقين بارتفاعها بنسخ الشريعة السابقة بهذه الشريعة ، فلا شك في بقائها حينئذ ، ولو سلم اليقين بثبوتها في حقّهم ، وذلك لانّ الحكم الثابت في الشريعة السابقة حيث كان

______________________________________________________

أيضا ؛ لأن ما كان متيقنا منه قد انتفى بانقضاء أهل الشريعة السابقة وثبوته لآحاد الشريعة اللاحقة مشكوك من الأول ويناقش أيضا على تقدير العلم بالثبوت لا يكون الشك في البقاء للعلم بكون الشريعة اللاحقة ناسخة للشريعة السابقة ، ولا معنى لنسخها إلّا نسخ الأحكام الثابتة في السابقة. وذكر الماتن قدس‌سره أنه لا مجال لشيء من المناقشتين أما عدم العلم بالحالة السابقة بالإضافة إلينا فيرده بأن الحكم المجعول في الشريعة السابقة كالمجعول في شريعتنا كان بنحو القضية الحقيقية لا بنحو القضية الخارجية وإذا كان المجعول كذلك فلا يختلف الحكم المجعول باختلاف الأشخاص وتبدلهم فحرمة شرب الخمر على البالغ العاقل لا تنقضي بانقضاء الموجودين في زمان الجعل بل تبقى وتثبت في حق كل مكلف في ظرف بلوغه وعقله ولو في آخر الزمان ، وقد تقدم أن الاستصحاب في بقاء الحكم المجعول وعدم إلغائه وانتهائه وإحرازه بفعلية موضوعه لا يكون من الأصل المثبت ، وعلى الجملة الاستصحاب في الحكم الثابت في الشريعة السابقة كالاستصحاب في بقاء الحكم المجعول في شريعتنا عند الشك في بقائه واحتمال نسخه داخل في عموم أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك.

أقول : كون الحكم المجعول في الشريعة السابقة كالمجعول في الشريعة اللاحقة بنحو القضية الحقيقية دون القضية الخارجية صحيح إلّا أن إثبات أن

٣٠٠