دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-09-3
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

كما إذا علم أنه كبر بعد ركوعه ولكن شك في أنها كانت بقصد الذكر بعد الركوع أو بقصد تكبيرة الإحرام فإن مقتضى الاستصحاب أنه لم يأت بها بقصد تكبيرة الإحرام ، وكذا الحال فيما إذا شك في القاطع بالشبهة الموضوعية فإن الاستصحاب مقتضاه إحراز الامتثال بضم الوجدان إلى الأصل : لأن مقام الامتثال كمقام ثبوت التكليف قابل للتعبد.

وأما إذا كانت الشبهة حكمية فقد فصل الشيخ قدس‌سره بين الشك في مانعية شيء وقاطعيته والتزم بجريان الاستصحاب في الثاني وعدم جريانه في الأول ، وإذا لم يعلم أن تكرار القراءة من أولها إلى آخرها مانع في الصلاة وذلك فإنه وإن قيل في الفرض باستصحاب الصحة بعد تكرارها حيث إنها كانت صحيحة قبل التكرار فيستصحب بقاؤها عليها إلّا أن الاستصحاب غير صحيح فإنه إن اريد استصحاب الصحة التأهلية فبقاؤها محرز حتى في موارد العلم بحصول المانع حيث إن الصحة التأهلية كون المأتي به من الأجزاء السابقة بحيث لو لحقت بها سائر الأجزاء بشرائطها وفقد موانعها تحقق متعلق التكليف والكلام والشك في لحوق سائر الأجزاء بشرائطها وعدم موانعها ، وان اريد الاستصحاب في الصحة الفعلية فلا علم بها ليجري الاستصحاب في ناحية بقائها ؛ لأنها تحصل بتحقق تمام الأجزاء بشرائطها وفقد موانعها.

لا يقال : لا بأس بجريان الاستصحاب في ناحية عدم جعل المانعية للمشكوك.

فإنه يقال : هذا الاستصحاب معارض بعدم تعلق التكليف بالأجزاء مطلقا على ما تقدم في بحث دوران الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين. نعم ، إذا شك في قاطعية شيء فلا بأس بالاستصحاب في ناحية الهيئة الاتصالية التي كانت متحققة

٣٦١

.................................................................................................

______________________________________________________

للأجزاء كما إذا شك في أن الضحك في غير صوت ظاهر قاطع للصلاة أم لا.

أقول : لا يكون شيء مانعا أو قاطعا إلّا باعتبار عدمه في متعلق التكليف غاية الأمر يعتبر تارة عدمه عند الاشتغال بالأجزاء كالاستقرار المعتبر في أجزاء الصلاة وإما مطلقا كترك القهقهة والتكلم والحدث حتى في الآنات المتخللة بين الأجزاء. ودعوى أن مع اعتبار الهيئة الاتصالية في الأجزاء لم يعتبر عدم ما يسمى قاطعا في نفس متعلق التكليف بل المأخوذ فيه تلك الهيئة الاتصالية التي يعد شيئا واحدا لا يمكن المساعدة عليها فإنه لا معنى لانقطاع الهيئة الاتصالية بدون أخذ عدم شيء في متعلق التكليف بوجه ولو اغمض عن ذلك فيجري في الاستصحاب في ناحية تلك الهيئة الاتصالية ما تقدم في استصحاب الصحة فإن كان المستصحب في ناحية الهيئة الاتصالية الفعلية بين تمام العمل فذلك غير متيقن وبالإضافة إلى الأجزاء المأتي بها محرز ولكن لا يثبت تحققها في الأجزاء السابقة مع اللاحقة ، وإن أراد ما تكون بين السابقة وما يأتي بعد ذلك حيث كانت هذه الهيئة محرزة قبل الإتيان بالقاطع المشكوك فالمتعين في الجواب أنه لا معنى لهذه القاطعية إلّا أخذ عدم ذلك المشكوك في متعلق الأمر بالصلاة.

ولا يخفى أنّ ما ذكرنا عند الشك في مانعية الموجود بالشبهة الموضوعية يرجع إلى الاستصحاب في عدم تحقق المانع إنما يتم فيما أمكن إحراز أن الموجود ليس داخلا في المانع كما مثلنا بزيادة تكبيرة الإحرام حيث إن تكبيرة الإحرام التكبيرة التي قصد بها الدخول في الصلاة وإذا جرى الاستصحاب في ناحية عدم قصده الدخول بها في الصلاة ينفي كونها تكبيرة الإحرام ، وأما إذا لم يمكن ذلك الإحراز بأن كان إحراز عدم المانع بمفاد السالبة بانتفاء المحمول ، ولم تكن لهذه

٣٦٢

الثاني عشر ـ أنه قد عرفت أن مورد الاستصحاب لا بد أن يكون حكما شرعيا أو موضوعا لحكم كذلك ، فلا إشكال فيما كان المستصحب من الأحكام الفرعية ، أو الموضوعات الصرفة الخارجيّة ، أو اللغوية إذا كانت ذات احكام شرعية [١].

______________________________________________________

القضية حالة سابقة وقلنا بأن الاستصحاب في العدم الأزلي غير جار حيث لا يحرز به مفاد القضية السالبة بانتفاء المحمول كما في اشتراط الصلاة بعدم كون الملبوس أو المحمول مما لا يؤكل لحمه فالاستصحاب في عدم لبس أو حمل ما لا يؤكل لا يثبت أن الملبوس أو المحمول ليس مما لا يؤكل. نعم ، لو قلنا باعتبار الاستصحاب في العدم الأزلي وإحراز مفاد السالبة بانتفاء المحمول به صح الاستصحاب كما أوضحنا كل ذلك في بحث الصلاة في اللباس المشكوك.

وعلى الجملة تارة يكون صرف وجود الطبيعي مانعا عن تحقق المأمور به بحيث لو اضطر إلى فرد من ذلك الطبيعي لم يتحقق المأمور به أو سقط الطبيعي عن المانعية ، وفي هذا الفرض يمكن عند احتمال وجود منه مع المأتي به يمكن إحراز عدم الطبيعي بالاستصحاب ، ويترتب على ذلك أنه مع الاضطرار إلى ارتكابه وعدم سقوط التكليف بالمأمور به بذلك لا يفترق ارتكاب القليل أو الكثير ، وأما إذا كان مانعية الطبيعي انحلالية فلا يجدي الاستصحاب في عدم تحقق المانع في إثبات عدم مانعية الموجود المشكوك بل لا بد من جريان الأصل في ناحية نفس الموجود المشكوك.

[الثانى عشر [١]]

ذكر قدس‌سره أنه كما يجري الاستصحاب فيما كان المستصحب حكما شرعيا فرعيا أو كان موضوعا له سواء كان ذلك الموضوع من الامور الخارجية كالاستصحاب في ناحية كون المائع خمرا أو من الامور اللغوية كالاستصحاب في ناحية بقاء اللفظ على ظهوره الأولي الموضوع للحجية كما في موارد أصالة عدم النقل كذلك يجري

٣٦٣

وأما الأمور الاعتقاديّة التي كان المهم فيها شرعا هو الانقياد والتسليم والاعتقاد بمعنى عقد القلب عليها من الاعمال القلبية الاختياريّة ، فكذا لا إشكال في الاستصحاب فيها حكما وكذا موضوعا ، فيما كان هناك يقين سابق وشك لا حق ، لصحة التنزيل وعموم الدليل ، وكونه أصلا عمليا إنما هو بمعنى أنه وظيفة الشاك تعبّدا ، قبالا للأمارات الحاكية عن الواقعيّات ، فيعم العمل بالجوانح كالجوارح ، وأما التي كان المهم فيها شرعا وعقلا هو القطع بها ومعرفتها ، فلا مجال له موضوعا ويجري حكما ، فلو كان متيقّنا بوجوب تحصيل القطع بشيء ـ كتفاصيل القيامة ـ في زمان وشك في بقاء وجوبه ، يستصحب.

______________________________________________________

فيما كان المستصحب من الامور الاعتقادية فإن الامور الاعتقادية على نحوين :

ـ قسم يكون المطلوب فيها التسليم قلبا وعقد القلب والبناء القلبي عليه وهذا النحو من فعل النفس في مقابل العمل بالجوارح كالاعتقاد بالحشر بخصوصياته حيث يمكن تسليم النفس لها ولو من غير العلم بتلك الخصوصيات.

ـ وقسم يكون المطلوب فيها معرفتها وتحصيل اليقين بها كوجوب معرفة الإمام عليه من غير فرق بين كون هذا الوجوب عقلا أو شرعا.

وعلى ذلك فلو شك في وجوب الاعتقاد بشيء أو وجوب المعرفة وتحصيل اليقين به فيستصحب وجوبهما مع كون الحالة السابقة وجوبهما ولو شك بنحو الشبهة في الموضوع فإن كان المطلوب في ذلك الأمر الاعتقاد والتسليم به قلبا فلا بأس بالاستصحاب في ناحيته بخلاف ما إذا كان المطلوب معرفته واليقين به فلا يجري مثلا إذا شك في حياة الإمام عليه‌السلام وجب تحصيل العلم بحياته ولا يجري الاستصحاب في حياته من هذه الجهة ولو فرض عدم إمكان تحصيل العلم به ولو في زمان فمع جواز التنزل إلى الظن تعين تحصيله وإلّا سقط وجوب المعرفة ما دام غير

٣٦٤

وأما لو شك في حياة إمام زمان مثلا فلا يستصحب ، لأجل ترتيب لزوم معرفة إمام زمانه ، بل يجب تحصيل اليقين بموته أو حياته مع امكانه ، ولا يكاد يجدي في مثل وجوب المعرفة عقلا أو شرعا ، إلّا إذا كان حجة من باب إفادته الظن وكان المورد مما يكتفى به أيضا ، فالاعتقاديّات كسائر الموضوعات لا بد في جريانه فيها من أن يكون في المورد أثر شرعي ، يتمكن من موافقته مع بقاء الشك فيه ، كان ذاك متعلّقا بعمل الجوارح أو الجوانح.

وقد انقدح بذلك أنه لا مجال له في نفس النبوّة إذا كانت ناشئة من كمال النفس بمثابة يوحى إليها ، وكانت لازمة لبعض مراتب كمالها ، إما لعدم الشك فيها بعد اتصاف النفس بها ، أو لعدم كونها مجعولة بل من الصفات الخارجية التكوينية ،

______________________________________________________

متمكن وعلى ذلك فالاستصحاب يفيد في هذا القسم أيضا فيما كان موجبا للظن بالبقاء مع جواز التنزل إلى الظن مع عدم إمكان تحصيل اليقين وجريان الاستصحاب فيما ذكر لا ينافي كونه أصلا عمليا فإن معنى كونه أصلا عمليا أنه ليس من الدليل الاجتهادي لا أنه يختص جريانه بموارد العمل بالجوارح ولا يجري في مورد الاعتقاديات.

أقول : الظاهر عدم جريان الاستصحاب في الموضوعات اللغوية فإن الاستصحاب في ناحية بقاء الوضع الأول لا يثبت ظهور اللفظ في معناه الاستعمالي وكذلك لا يعيّنه الاستصحاب في ناحية بقاء ظهوره التصوري حيث إنه لا يثبت أن المتكلم قصده في استعماله اللفظ والحجية مترتبة على الظهور الاستعمالي في كلام المتكلم اللازم لظهوره التصوري عادة مع كونه في مقام التفهيم ، وأصالة عدم النقل المحرز به المدلول الاستعمالي في مقام التفهيم في نفسها أصل عقلائي لم يردع عنها الشارع ولذا يؤخذ بها حتى مع الالتزام بعدم اعتبار الاستصحاب.

٣٦٥

ولو فرض الشك في بقائها باحتمال انحطاط النفس عن تلك المرتبة وعدم بقائها بتلك المثابة ، كما هو الشأن في سائر الصفات والملكات الحسنة الحاصلة بالرياضات والمجاهدات ، وعدم أثر شرعي مهم لها يترتّب عليها باستصحابها [١].

نعم لو كانت النبوّة من المناصب المجعولة وكانت كالولاية ، وإن كان لا بد في إعطائها من أهلية وخصوصية يستحق بها لها ، لكانت موردا للاستصحاب بنفسها ، فيترتب عليها آثارها ولو كانت عقلية بعد استصحابها ، لكنه يحتاج إلى دليل كان هناك غير منوط بها ، وإلّا لدار ، كما لا يخفى.

______________________________________________________

وأما ما ذكر من جريان الاستصحاب في ناحية التكليف الاعتقادي عند الشك في بقائه بنحو الشبهة الحكمية سواء كان المطلوب مجرد الاعتقاد والتسليم قلبا أو كان المطلوب تحصيل المعرفة واليقين به فمبني على جريان الاستصحاب في الشبهة الحكمية وإذا كان بنحو الشبهة في الموضوع فالاعتقاد والتسليم به قلبا على ما هو الواقع ممكن ولا يفيد الاستصحاب في ناحيته ولا يصحح الاعتقاد التفصيلي بل دليل على لزومه ، وكذلك ما إذا كان المطلوب معرفة ذلك الشيء واليقين به ؛ لأن كون الاستصحاب علما بالبقاء بالإضافة إلى كونه طريقا يثبت به البقاء في موارد كون العلم طريقا محضا أو مأخوذا في الموضوع طريقا لا فيما وجب تحصيل اليقين والعلم به وصفا كما هو الحال في المقام.

[١] ذكر قدس‌سره أنه لا مجرى للاستصحاب في نفس النبوة الثابتة للنبي بناء على أن النبوة مرتبة من كمال النفس بحيث لو كانت بتلك المرتبة يوحى إليها ما دام صاحبها في دار الدنيا سواء لم يمكن نزول النفس عن تلك المرتبة أو أمكن نزولها عنها كسائر الصفات والملكات الحاصلة للنفس بالرياضات والمجاهدات النفسانية فإن عدم الجريان في الأول لعدم الشك في البقاء وعلى الثاني لعدم أثر شرعي للنبوة يراد

٣٦٦

وأما استصحابها بمعنى استصحاب بعض أحكام شريعة من اتصف بها ، فلا إشكال فيها كما مر.

ثم لا يخفى أنّ الاستصحاب لا يكاد يلزم به الخصم ، إلّا إذا اعترف بأنه على يقين فشك ، فيما صح هناك التعبد والتنزيل ودلّ عليه الدليل ، كما لا يصح أن يقنع به إلّا مع اليقين والشك والدليل على التنزيل.

______________________________________________________

بالاستصحاب ترتيبه عليها لا كونها بنفسها مجعولة شرعا. نعم ، لو قيل بأن النبوة من المناصب المجعولة نظير الولاية المعطاة للمتولي وأن كمال نفس الشخص خصوصية يستحق بها هذا الجعل والإعطاء فيجري الاستصحاب في ناحيتها فيما لو كان لبقائها أثر ولو كان عقليا يمكن ترتيبه عليها بأن يكون ذلك الأثر العقلي ثابتا للأعم من النبوة ولو كانت ظاهرية كوجوب إطاعته في أوامره ونواهيه.

ولكن جريان الاستصحاب فيها موقوف على ثبوت اعتبار الاستصحاب بدليل غير منوط ذلك الدليل بثبوت النبوة له وإلّا يكون التمسك بالاستصحاب فيها دوريا.

أقول : الصحيح عدم جريان الاستصحاب في نبوة شخص حتى بناء على أنها منصب مجعول ؛ لأن المطلوب في مورد نبوة شخص كإمامة الإمام هو معرفته وتحصيل العرفان به والتصديق بما جاء به أو أبلغه من التكاليف والأحكام ومع التمكن من معرفتها في شخص من جهة البقاء والارتفاع يجب تحصيل المعرفة ومع عدم التمكن فرضا يسقط التكليف ما دام غير متمكن ، وإن وجب الاعتقاد بما هو الواقع في هذا الحال أيضا على نحو الإجمال على ما تقدم.

وأما الاستصحاب في الأحكام الثابتة في تلك الشريعة فإن اريد الاستصحاب في بعض أحكامها بعد الفحص عن بقائها وارتفاعها والشك في بقائها فمبني على اعتبار الاستصحاب في ناحية الأحكام والتكاليف في الشبهة الحكمية ، وقد تقدم

٣٦٧

ومنه انقدح أنه لا موقع لتشبّث الكتابي باستصحاب نبوّة موسى أصلا ، لا إلزاما للمسلم ، لعدم الشك في بقائها قائمة بنفسه المقدسة ، واليقين بنسخ شريعته ، وإلّا لم يكن بمسلم ، مع أنه لا يكاد يلزم به ما لم يعترف بأنه على يقين وشك ، ولا إقناعا مع الشك ، للزوم معرفة النبي بالنظر إلى حالاته ومعجزاته عقلا ، وعدم الدليل على التعبد بشريعته لا عقلا ولا شرعا ، والاتكال على قيامه في شريعتنا لا يكاد يجديه إلّا على نحو محال ، ووجوب العمل بالاحتياط عقلا في حال عدم المعرفة بمراعاة الشريعتين ما لم يلزم منه الاختلال ، للعلم بثبوت إحداهما على الإجمال ، إلّا إذا علم بلزوم البناء على الشريعة السابقة ما لم يعلم الحال.

______________________________________________________

الكلام في ذلك في بحث الاستصحاب في أحكام الشريعة السابقة ، وإن اريد الاستصحاب في جميعها فالاستصحاب غير جار إلّا بعد الفحص عن زوالها ولو بالنظر إلى أدلة نبوة النبي اللاحق ومعجزاته ، ولو فرض الشك بعد ذلك يكون الاستصحاب موقوفا على ثبوت اعتباره في كلتا الشريعتين وغير منوط بإحداهما خاصة فإن اعتباره إن كان منوطا بالشريعة السابقة يكون التمسك به دوريا ، وإن كان بالثاني يلزم من الأخذ به الخلف فيتعين على الشاك الاحتياط في تكاليف الشريعتين هذا فيما كان تمسك الكتابي بالاستصحاب إقناعيا ، وأما إذا أراد إلزام المسلم فلا يلزم بالاستصحاب المسلم لا بالإضافة إلى الاستصحاب في نفس النبوة ، ولا بالإضافة إلى بقاء أحكام الشريعة السابقة فإن المسلم لم يعرف النبي السابق في صدق نبوته والأحكام التي أتى بها إلّا بإخبار النبي اللاحق وتصديقه في أخباره وكتابه الذي أتى به من الله ومع هذا اليقين لا شك له في البقاء ، ومع الغض عن هذا اليقين وفرض الشك في ذلك لا علم له بنبوة النبي السابق وصدق شريعته حتى تستصحب ، ولعل ما حكى من قوله عليه‌السلام من أنا معترفون بنبوة كل موسى وعيسى إذا أقر بنبوة نبينا صلى‌الله‌عليه‌وآله

٣٦٨

الثالث عشر ـ أنه لا شبهة في عدم جريان الاستصحاب في مقام مع دلالة مثل العام [١] لكنه ربما يقع الإشكال والكلام فيما إذا خصّص في زمان في أن المورد بعد هذا الزمان مورد الاستصحاب أو التمسك بالعام.

______________________________________________________

وننكر نبوة كل من لم يقر بنبوة نبينا يرجع إلى ما ذكر فلا يرد من أن موسى أو عيسى لم يكن كليا بل شخصا خارجيا اعترف المسلمون وغيرهم بنبوته.

في التمسك بالعام بعد ورود التخصيص فيه في زمان

[١] قد تقدم أنه مع الدليل الاجتهادي في مورد ولو كان عاما أو مطلقا يقتضي عموم الحكم لا تصل النوبة إلى الاستصحاب حيث إنه أصل عملي ولكن ربما يقع الكلام في أن للعام أو المطلق دلالة في المورد لئلا يبقى للاستصحاب موضوع أو أنه لا دلالة لهما على حكم المقام ليكون فيه مجال للاستصحاب على تقدير تحقق أركانه ، وقد ذكر الماتن قدس‌سره أنه ربما لا يكون مدلول العام بالإضافة إلى الأزمان انحلاليا بأن يستفاد منه بالإضافة إلى كل واحد من أفراده حكم واحد استمراري كما يقال في مفاد قوله سبحانه : (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) من أن كل ما يوجد من العقد في الخارج يحكم عليه بلزوم الوفاء به في عمود الزمان بحيث ينتزع منه لزوم ذلك العقد وقد يكون مدلوله انحلاليا حتى بالإضافة إلى الأزمان لأفراده بحيث يستفاد منه الحكم لكل من أفراده في كل من الأزمنة كما إذا ورد في الخطاب أكرم كل عالم في كل زمان أو أشبع كل جائع.

والخاص الوارد على خلاف حكم العام أيضا على قسمين :

ـ فتارة يكون الزمان ظرفا لحكمه كما ورد في الخطاب إذا اشتريت متاعا فيه عيب لا تعلمه فلك الخيار في رده.

ـ واخرى يكون الزمان فيه مفردا بأن يؤخذ الزمان فيه قيدا للمتعلق أو الموضوع كما ورد لا تكرم زيد العالم يوم الجمعة ، وعلى ذلك فلو كان الحكم في ناحية العام

٣٦٩

.................................................................................................

______________________________________________________

حكما استمراريا لكل فرد والزمان في ناحية الخاص ظرفا للحكم بالخلاف ففي صورة الشك في بقاء حكم الخاص بعد زمان في كونه على حكم العام أو أنه على حكمه السابق لا يمكن التمسك بالعام في ثبوت حكمه له : لأن العام لا يتكفل لعود الحكم بعد انقطاعه بل مدلوله ثبوت حكم واحد مستمر بحسب عمود الزمان ومدلول خطاب الخاص أو دليله خروج الفرد الفلاني عن العام بعدم ثبوت ذلك الحكم الواحد المستمر له ، وعلى الجملة خطاب العام لا يتكفل لبيان حكمين لكل فرد من أفراد العام بل مدلوله ثبوت حكم واحد مستمر ، وبعد خروج فرد من ذلك العام يتمسك بعد زمان اليقين بالاستصحاب في بقاء الحكم الخاص هذا فيما إذا كان مدلول الخطاب في ناحية الخاص انقطاع حكم العام في ذلك الفرد ، وأما إذا كان مدلوله في ناحيته خروج فرد عن العام من الأول وكان من حيث استمرار خروجه وعدمه مجملا فيمكن التمسك بالعام بالإضافة إلى غير زمان اليقين فيه فيكون زمان ثبوت حكم العام واستمراره في ذلك الفرد بعد انقضاء مقدار مدلول خطاب الخاص مثلا يصح التمسك بعموم أوفوا بالعقود لو خصص بخيار المجلس ونحوه فيما إذا شك في مقدار ثبوت هذا الخيار من حيث الزمان ولا يصح التمسك به فيما إذا شك في مقدار الخيار فيما إذا ثبت لا في زمان حدوث العقد فإنه إذا انقطع حكم العام في الوسط يستصحب في ناحية الخيار الثابت في الأثناء لما ذكرنا من عدم تكفل العام لحكمين لفرد من أفراده. ومما ذكر يظهر أنه لو كان مفاد كل من العام والخاص على النحو الثاني بأن يكون الزمان مفردا في ناحية كل من العام والخاص يتمسك في غير مدلول الخاص بعموم العام بلا إشكال حيث إن العام يتكفل لثبوت الحكم لذلك الفرد في ذلك الزمان وغيره من الأزمنة ولم يدلّ الخاص على خلافه.

٣٧٠

والتحقيق أن يقال : إن مفاد العام ، تارة يكون ـ بملاحظة الزمان ـ ثبوت حكمه لموضوعه على نحو الاستمرار والدوام ، وأخرى على نحو جعل كل يوم من الأيام فردا لموضوع ذاك العام. وكذلك مفاد مخصّصه ، تارة يكون على نحو أخذ الزمان ظرف استمرار حكمه ودوامه ، وأخرى على نحو يكون مفردا ومأخوذا في موضوعه.

______________________________________________________

وأما إذا كان مفاد العام بالنحو الأول أي ثبوت حكم واحد مستمر لكل من أفراد العام ومفاد خطاب الخاص بنحو أخذ الزمان قيدا فلا يمكن التمسك بالعام في غير زمان دلالة الخاص كما أنه لا يجري الاستصحاب في ناحية حكم الخاص المفروض فيه أخذ الزمان قيدا لحكمه لكون ذلك من إسراء حكم من موضوع إلى غيره.

نعم ، إذا كان الأمر بالعكس بأن كانت دلالة العام بالإضافة إلى الأزمنة أفراديا والزمان في ناحية حكم الخاص ظرفا يكون المرجع بعد انقضاء الزمان المفروض ظرفا للخاص عموم العام لدلالته على حكمه فيه من غير أن يكون في البين ما يدلّ على خلافه اللهم إلّا أن يسقط العام عن الاعتبار بوجه فإنه يكون المرجع الاستصحاب في ناحية حكم الخاص ؛ لأن المفروض أن الزمان في ناحية حكم الخاص مأخوذ بنحو يصح الاستصحاب في ناحيته.

وقد ظهر أن ما عن الشيخ قدس‌سره من جعل المعيار في التمسك بالعام بما إذا كان مفاده بالإضافة إلى الأزمنة في أفراده أفراديا وفي جريان الاستصحاب في ناحية حكم الخاص بما إذا لم تكن دلالة العام بالإضافة إلى الأزمان أفراديا بل حكما واحدا استمراريا غير صحيح على إطلاقه.

أقول : قد يورد على ما ذكره قدس‌سره في القسم الأول يعني ما إذا كان الزمان في كل واحد من حكم أفراد العام وحكم الخاص ظرفا بأن يثبت في ناحية كل فرد من أفراد

٣٧١

.................................................................................................

______________________________________________________

العام حكما مستمرا من حيث الزمان والحكم في ناحية الخاص أيضا ثابتا للفرد في زمان فإنه قدس‌سره حكم في هذا القسم في زمان الشك إلى الاستصحاب في ناحية حكم الخاص في ذلك الزمان إلّا فيما كان التخصيص في ذلك الفرد في أول زمان حدوثه وأنه يؤخذ بحكم العام فيه بعد انقضاء الزمان الأول بما حاصله أن استمرار الحكم في ناحية أفراد العام يستفاد تارة من نفس خطاب العام الدال على ثبوت الحكم لكل من أفراده كما في قوله سبحانه (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) فإن مفاده ثبوت وجوب الوفاء بكل واحد من أفراد العقد مستمرا ، وفي مثل ذلك خروج فرد من أفراد العقد في زمان ولو كان أول زمان حدوثه فلا يمكن التمسك بالعام المفروض بالإضافة إلى ذلك الفرد بعد انقضاء أول الزمان فإن مدلول العام ثبوت حكم واحد لكل فرد من أفراد العقد من حين حدوثه مستمرا ولم يثبت هذا الحكم للفرد المفروض. نعم ، لو كانت دلالة العام على ثبوت أصل الحكم لكل فرد من أفراده بخطاب واستفيد استمرار ذلك الحكم لأفراده من خطاب آخر كما في قوله سبحانه (كُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ)(١).

حيث إن ظاهره وجوب الإمساك لكل مكلف عند طلوع الفجر وقوله سبحانه (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ)(٢) ففي مثل ذلك لو خرج فرد عن تحت العام في زمان فيمكن التفصيل بأنه لو كان الخروج في الوسط فلا يمكن الأخذ بالإضافة إلى الإمساك بعد ذلك الزمان الوسط بخلاف خروج فرد في الأول كما إذا كان المكلف عطشانا عند طلوع الفجر بعطش يضر بحاله فإنه يمكن أن يتمسك بالعام الثاني في

__________________

(١) سورة البقرة : الآية ١٨٧.

(٢) سورة البقرة : الآية ١٨٧.

٣٧٢

فإن كان مفاد كل من العام والخاص على النحو الأول ، فلا محيص عن استصحاب حكم الخاص في غير مورد دلالته ، لعدم دلالة للعام على حكمه ، لعدم دخوله على حدة في موضوعه ، وانقطاع الاستمرار بالخاص الدالّ على ثبوت الحكم له في الزمان السابق ، من دون دلالته على ثبوته في الزمان اللاحق ، فلا مجال إلّا لاستصحابه.

______________________________________________________

إثبات وجوب الإمساك عليه مما بعد الفجر إلى دخول الليل. أقول : الظاهر عدم الفرق بين الخروج من الأول والوسط فإن مع خروج فرد عن تحت العام الأول في الزمان الأول لا يبقى للعام الثاني موضوع في ذلك الفرد فإنه إذا لم يكن على المكلف الإمساك عند طلوع الفجر فكيف يعمه ما دل على الأمر بإتمام الإمساك إلى الليل ، وعلى الجملة غاية ما يمكن أن يقال بناء على أن العام إذا تضمن حكما واحدا مستمرا لا يمكن التمسك به بعد زمان يكون خروج فرد فيه عن حكمه مفاد خطاب الخاص هو الالتزام بأن مدلول خطاب الخاص إن كان بالإضافة إلى زمان حدوث الفرد ولم يكن له دلالة على استمرارية الحكم المخالف للعام وعدمه فلا يمكن التمسك في ذلك الفرد بخطاب العام أصلا ، وأما إذا كان مدلول خطاب الخاص أو المتيقن من مدلوله خروجه في الأثناء يؤخذ بحكم العام فيه إلى زمان ثبوت حكم الخاص كما إذا علم بثبوت خيار العيب عند ظهور العيب وشك في لزوم العقد وكونه خياريا قبل ظهوره فإن لم يكن لدليل الخيار إطلاق يثبت كونه خياريا من الأول يحكم بلزومه إلى زمان ظهور العيب ، ولكن الصحيح جواز التمسك بالعام بعد انقضاء زمان قام الدليل على ثبوت حكم مخالف لحكم العام فيه من غير فرق بين أن يكون مدلول العام حكما انحلاليا بالإضافة إلى الأزمان أيضا في ناحية الأفراد أو كان مدلوله بالإضافة إلى كل فرد حكما واحدا مستمرا ، وذلك فإن قيام الدليل على التخصيص

٣٧٣

.................................................................................................

______________________________________________________

لا ينقض المدلول الاستعمالي العام بل يكشف عن عدم كون المدلول الاستعمالي مطابقا للمراد الجدي في مقدار دلالة الدليل المختص ، وعلى ذلك لو ورد الدليل على جواز بيع في أول الأزمنة أو أثنائها فلا يكشف عن عدم كون المدلول الاستعمالي في ناحية العام مطابقا لمقام الثبوت بالإضافة إلى زمان حكم الخاص فيترك أصالة التطابق بالإضافة إلى ذلك المقدار ويؤخذ به في باقي الأزمنة.

لا يقال : المفروض ثبوت حكم واحد مستمر لكل فرد من العقد وإذا ورد التخصيص على وجوب الوفاء به في عقد في الأثناء فلا يكون لذلك العقد على تقدير وجوب الوفاء به بعد ذلك الزمان حكم واحد مستمر أي لزوم واحد بل يكون فيه لزومان. فإنه يقال : قد تقدم أن المدلول الاستعمالي للعام لا يخرج عن الوحدة بورود التخصيص عليه في الوسط والوحدة فيه ثبوتا لازم لعدم انقطاع ذلك الحكم ثبوتا بحسب الأزمان فمع قيام الدليل على الانقطاع ثبوتا فلا بأس بالالتزام بالتعدد.

وبتعبير آخر الفرد من العام في عموم الزمان بالإضافة إلى وجوب الوفاء به كالأفراد العرضية للعام المجموعي في أنه كما لا يوجب إخراج بعض الأفراد سقوط العام المجموعي عن الاعتبار بالإضافة إلى البقية كذلك خروج بعض الأزمنة في الفرد من عموم الزمان ولا فرق فيما ذكرنا بين أن يستفاد العموم المجموعي من أداة العموم أو من الإطلاق كما لا فرق بين أن يستفاد العموم الانحلالي من أداة العموم أو من الإطلاق.

وقد ذكر المحقق النائيني قدس‌سره أن كون مدلول خطاب العام حكما استمراريا يتصور على نحوين :

الأول ـ أن يكون الزمان ظرفا لمتعلق الحكم والتكليف بأن يلاحظ الفعل في

٣٧٤

نعم لو كان الخاص غير قاطع لحكمه ، كما إذا كان مخصصا له من الأوّل ، لما ضرّ به في غير مورد دلالته ، فيكون أول زمان استمرار حكمه بعد زمان دلالته ، فيصح التمسك ب (أوفوا بالعقود) ولو خصّص بخيار المجلس ونحوه ، ولا يصح التمسك به فيما إذا خصص بخيار لا في أوله ، فافهم.

وإن كان مفادهما على النحو الثاني ، فلا بد من التمسك بالعام بلا كلام ، لكون

______________________________________________________

عمود الزمان فعلا واحدا تعلق به الحكم والتكليف.

والثاني ـ يكون الزمان ظرفا لنفس الحكم والتكليف بأن اعتبر نفس الحكم والتكليف حكما وتكليفا واحدا مثلا إذا لوحظ الإمساك من طلوع الفجر إلى دخول الليل فعلا واحدا وتعلق به التكليف يكون بالنحو الأول ، وأما إذا تعلق الوجوب بالامساكات واعتبر نفس الوجوب المتعلق بها تكليفا واحدا يكون بالنحو الثاني ونتيجة هذين النحوين بحسب الواقع وإن كانت واحدة إلّا أنه يختلف الحال بحسب اختلاف مدلول الخطاب فيما إذا قام الدليل على التخصيص في فرد العام في زمان فإنه مع ورود التخصيص فيما كان مدلول العام على النحو الأول يمكن التمسك بخطاب العام في كون حكم العام في ذلك الفرد بحاله غاية الأمر قد استثنى عن نفس الإمساك المتعلق به الوجوب الإمساك في زمان بخلاف ما إذا كان الاستمرار طارئا على الحكم على النحو الثاني فإنه بعد ورود التخصيص في زمان في فرد لا يمكن التمسك بخطاب العام وإثبات حكمه بالإضافة إلى ما بعد ذلك الزمان ؛ لأن الحكم المجعول كان واحدا على الفرض وقد انقطع بالتخصيص ولا دلالة لخطاب العام إلّا على الحكم المقطوع ووجه كلام الشيخ قدس‌سره في بحث الخيارات من المكاسب في الرجوع إلى عموم (أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) لا إلى استصحاب حكم الخاص بأن الآية مدلولها من قبيل النحو الأول : لأن الوفاء بالعقد عبارة عن إتمام العمل بالعقد والاستمرار

٣٧٥

.................................................................................................

______________________________________________________

عليه فيكون الاستمرار راجعا إلى المتعلق لا إلى نفس الحكم.

أقول : قد تقدم أن ورود الدليل الخاص لا يوجب قلب الظهور الاستعمالي للعام سواء كان الاستمرار ملحوظا في ناحية الفعل أو نفس الحكم وليس هذا الظهور أمرا مراعى بل كونه موردا لأصالة التطابق أي كشفه عن عموم المراد الجدي مراعى بعدم قيام الدليل على التخصيص ويرفع اليد مع قيام الدليل على التخصيص عن أصالة التطابق بمقدار دلالة الدليل الخاص ، والمفروض أن مقدار دلالته هو ما يدخل في مدلول الدليل الخاص فيكون المقام نظير ما قام المكلف بصيام شهر رمضان أثناء النهار فإنه في زمان نومه ينقطع تكليفه بالصوم مع أنه يعود بعد الانتباه لا أنه بعد الانتباه يثبت في حقه وجوب آخر على ما تقدم.

وقد ظهر مما تقدم جواز التمسك بالعام سواء كان انحلاليا من حيث الأزمان أو كان الحكم الثابت لكل من أفراده حكما استمراريا واحدا من غير فرق بين ملاحظة الاستمرار والوحدة في ناحية الحكم أو في ناحية متعلقه وأنه إذا ورد التخصيص للعام في زمان فلا يكون ذلك موجبا لانقلاب الظهور الاستعمالي بل يكشف عدم التطابق بينه وبين المراد الجدي بالإضافة إلى ذلك الزمان ويؤخذ بها في غيره بل لا يختص ذلك بالعام الوضعي ويجري فيما إذا استفيد العموم من الإطلاق انحلاليا كان بالإضافة إلى الأزمنة أو مستفادا منه الاستمرار.

وبقي في المقام أمر آخر وهو ما إذا شك في استمرار جعل الحكم بمعنى إلغائه بالإضافة إلى عمود الزمان حيث يذكر أنه لا يمكن التمسك في ناحية استمرار الجعل وعدم إلغائه بالخطاب الدال على ثبوت ذلك الحكم وبقائه على الجعل سواء كان ذلك الخطاب بالإضافة إلى عمود الزمان انحلاليا أو استمراريا ؛ لأن الخطاب

٣٧٦

موضوع الحكم بلحاظ هذا الزمان من أفراده ، فله الدلالة على حكمه ، والمفروض عدم دلالة الخاص على خلافه.

وإن كان مفاد العام على النحو الأول والخاص على النحو الثاني ، فلا مورد للاستصحاب ، فإنه وإن لم يكن هناك دلالة أصلا ، إلّا أن انسحاب الحكم الخاص إلى غير مورد دلالته من إسراء حكم موضوع إلى آخر ، لا استصحاب حكم الموضوع ، ولا مجال أيضا للتمسك بالعام لما مر آنفا ، فلا بد من الرجوع إلى سائر الأصول.

وإن كان مفادهما على العكس كان المرجع هو العام ، للاقتصار في تخصيصه

______________________________________________________

المتكفل لحكم لموضوع لا يمكن أن يتكفل لعدم إلغائه فيما بعد بل لا بد في إثبات استمرار الجعل التشبث بالاستصحاب أو قوله عليه‌السلام في صحيحة زرارة قال : «سألت أبا عبد الله عليه‌السلام عن الحلال والحرام فقال : «حلال محمد حلال أبدا إلى يوم القيمة ، وحرامه حرام أبدا إلى يوم القيمة لا يكون غيره ولا يجيء غيره ، وقال قال علي عليه‌السلام : ما أحد ابتدع بدعة إلّا ترك بها سنة» (١).

ولكن الظاهر جواز التمسك بالظهور الاستعمالي أي أصالة التطابق مع مقام الثبوت حتى في موارد الشك في بقاء الجعل من غير حاجة إلى استصحاب عدم النسخ أو خطاب الاستمرار في أحكام الشريعة وذلك فإن النسخ في أحكام الشريعة مرجعه إلى التخصيص في الحكم بالإضافة إلى الأزمان ، ومع عدم ثبوت القرينة على أن مقام الثبوت على خلاف أصالة التطابق يؤخذ بها. نعم ، يمكن الدعوى المذكورة بالإضافة إلى خطاب الحكم المجعول من حاكم يتصور فيه النسخ بمعناه الحقيقي

__________________

(١) الكافي ١ : ١٠٩ ، الباب ١٩ من كتاب فضل العلم ، الحديث ١٩.

٣٧٧

بمقدار دلالة الخاص ، ولكنه لو لا دلالته لكان الاستصحاب مرجعا ، لما عرفت من أن الحكم في طرف الخاص قد أخذ على نحو صح استصحابه ، فتأمّل تعرف أن اطلاق كلام شيخنا العلامة (أعلى الله مقامه) في المقام نفيا وإثباتا في غير محلّه.

الرابع عشر ـ الظاهر أن الشك في أخبار الباب وكلمات الأصحاب هو خلاف اليقين فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب ويدلّ عليه ـ مضافا إلى أنه كذلك لغة كما في الصحاح ، وتعارف استعماله فيه في الأخبار في غير باب ـ قوله عليه‌السلام في أخبار الباب : (ولكن تنقصه بيقين آخر) حيث إن ظاهره أنه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين وأنه ليس إلّا اليقين ، وقوله أيضا : (لا حتى يستيقن أنه قد نام) بعد السؤال عنه عليه‌السلام عمّا (إذا حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم) حيث دلّ بإطلاقه مع ترك الاستفصال بين ما إذا أفادت هذه الأمارة الظن ، وما إذا لم تفد ، بداهة أنها لو لم تكن مفيدة له دائما لكانت مفيدة له أحيانا ، على عموم النفي لصورة الإفادة ، وقوله عليه‌السلام بعده : (ولا تنقض اليقين بالشك) أن الحكم في المغيى مطلقا هو عدم نقض اليقين بالشك ، كما لا يخفى [١].

______________________________________________________

وأما بالإضافة إلى الشارع فيرجع إلى التخصيص بحسب الأزمان في الحكم المدلول عليه خطابه أو إلى التقييد بحسبها وكل منهما يدفع بأصالة التطابق في العموم والإطلاق بحسب الأزمان بل لا يبعد أن يقال ما جرت عليه سيرة العقلاء من عدم رفع اليد عن خطاب الحكم المجعول واستمراره بحسب الأزمان ما لم يصل من المولى ما يدلّ على رفع المولى يده عن الحكم المجعول.

[١] قد ذكر الماتن قدس‌سره أنّ ظاهر الشك الوارد في أخبار النهي عن نقض اليقين بالشك هو خلاف العلم واليقين كما هو ظاهر كلمات الأصحاب أيضا فيجري الاستصحاب مع الظن بالخلاف فضلا عن صورة الظن بالوفاق ، ويشهد لكون المراد

٣٧٨

وقد استدلّ عليه أيضا بوجهين آخرين :

الأول : الإجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف على تقدير اعتباره من باب الأخبار.

وفيه : إنه لا وجه لدعواه ولو سلم اتفاق الأصحاب على الاعتبار ، لاحتمال أن يكون ذلك من جهة ظهور دلالة الأخبار عليه.

______________________________________________________

بالشك ما ذكر مضافا إلى كون معناه خلاف العلم لغة وتعارف استعماله في الأخبار في أبواب مختلفة كالأخبار الواردة في يوم الشك وقاعدتي الفراغ والتجاوز وحتى في الأخبار الواردة في الشك في ركعات الصلاة حيث إن البناء على الظن فيها عند الشك في الركعات إنما هو بدليل خاص قد أوجب قيامه التخصيص في الأخبار الواردة في مطلق الشك في الركعات ما ورد في نفس أخبار الاستصحاب من قوله عليه‌السلام : «ولكن تنقضه بيقين آخر» حيث يفهم منه بحسب مقام بيان تحديد الناقض أنّ ناقض اليقين السابق منحصر في اليقين بالخلاف ، وكذا قوله عليه‌السلام : «لا» بعد السؤال عمن حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم فإنه لو لم يكن ذلك موجبا للظن بالنوم دائما فلا ينبغي التأمل في أنه يوجبه في بعض الأحيان فترك الاستفصال في الجواب عن حصول الظن بالنوم وعدمه قرينة جلية بعدم العبرة بالظن بالخلاف ، وأن النهي عن نقض اليقين بالوضوء بالشك فيه يعم كلا الفرضين كما هو ظاهر قوله عليه‌السلام : «حتى يستيقن أنه قد نام».

أقول : ما ذكر قدس‌سره من أن قوله عليه‌السلام في أخبار الباب «ولكن تنقضه بيقين آخر» يدلّ على جريان الاستصحاب مع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق وبتعبير آخر ما ذكر في تلك الأخبار يدلّ على أن المراد من الشك مقابل العلم لا يمكن المساعدة عليه والوجه في ذلك أنه لو بنى على أن ظاهر الشك في نفسه خلاف العلم

٣٧٩

الثاني : إن الظن غير المعتبر ، إن علم بعدم اعتباره بالدليل ، فمعناه أنّ وجوده كعدمه عند الشارع ، وأن كلما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده ، وإن كان مما شك في اعتباره ، فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه إلى نقض اليقين بالشك ، فتأمّل جيدا.

______________________________________________________

فقوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشك» مع قطع النظر عما ورد في تلك الأخبار بنفسه يدلّ على اعتبار الاستصحاب مع عدم العلم بانتقاض الحالة السابقة سواء كانت الباء بمعنى مع أو كانت للسببية فيكون قوله عليه‌السلام فيما بعد «ولكن تنقضه بيقين آخر» إرشادا إلى انتفاء الموضوع للاستصحاب مع اليقين بالخلاف وأما إذا لم يكن الشك في قوله عليه‌السلام : «لا تنقض اليقين بالشك» ظاهرا في نفسه في عدم العلم بل احتمل كونه مقابل العلم والظن أو كان ظاهرا في حصول الاحتمال المساوي لاحتمال الطرف الآخر فلا يكون قوله عليه‌السلام بعد ذلك : «ولكن تنقضه بيقين آخر» دليلا على أن المراد من الشك في الأخبار الناهية عن نقض اليقين بالشك هو عدم العلم فإن ذكر الناقض الواحد وسكوته عن غيره لا يكون من الإطلاق اللفظي الذي مقتضى الأصل في كلام كل متكلم صدر عنه الكلام بل هو من الإطلاق المقامي الذي يحتاج ثبوته إلى قيام القرينة.

وما ذكره من أن قوله عليه‌السلام «ولكن تنقضه بيقين آخر» ظاهره كونه في مقام تحديد وحصر ما ينقض به اليقين السابق مجرد دعوى فإن ظاهره أن الشك ينقض باليقين بالخلاف ، وأما أنه هو الناقض الوحيد فلا قرينة على ذلك. نعم ، يدلّ على جريان الاستصحاب مع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق فقرتان من صحيحة زرارة الواردة في الوضوء إذا شك بعده في النوم ، إحداهما : قوله عليه‌السلام ـ بعد السؤال عن نقض وضوء من حرك في جنبه شيء وهو لا يعلم ـ : «لا» فإن جواب الإمام عليه

٣٨٠