دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

آية الله الميرزا جواد التبريزي

دروس في مسائل علم الأصول - ج ٥

المؤلف:

آية الله الميرزا جواد التبريزي


الموضوع : أصول الفقه
الناشر: منشورات دار الصديقة الشهيدة عليها السلام
المطبعة: نگين
الطبعة: ٢
ISBN: 978-964-8438-09-3
ISBN الدورة:
978-964-94850-1-0

الصفحات: ٤١٦

.................................................................................................

______________________________________________________

المستثنى أو ناحية المستثنى منه حكما ظاهريا ، بخلاف حديث الرفع بفقرة «ما لا يعلمون» واحتمال كون مراده فقرة رفع النسيان غير صحيح ؛ لأنّ رفع النسيان رفع واقعي لا يجري إلّا مع نسيان الجزء أو الشرط في تمام الوقت ، ولكن لا يثبت وجوب الباقي في الوقت ولا يجري مع نسيان الجزء حال العمل فضلا عن إثباته الأمر بغير المنسي في ذلك الحال.

وقد تحصل من جميع ما ذكرنا أن كون المقام من دوران الأمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر مبني على امكان اختصاص الجزئية أو الشرطية بحال الذكر ، وإلّا بأن لم يمكن هذا الاختصاص ، بل كان ثبوت الجزئية أو الشرطية في شيء ملازما لجزئيته أو شرطيته مطلقة ، وكان سقوط التكليف بالكل أو المشروط بدون الجزء أو الشرط من أجل الوفاء بالغرض ، وإلّا فسوف يكون المرجح عند الشك هو الاشتغال على ما تقدم ، فالعمدة صرف الكلام إلى إمكان الاختصاص وعدمه ، وقد وجّه الماتن قدس‌سره هذا الإمكان بوجهين.

الأول : أن يوجه الخطاب المتضمن للتكليف إلى جميع المكلفين بغير المنسي من الأجزاء والشرائط ، ووجه خطابا آخر على دخل المنسي في متعلق الأمر بالإضافة إلى الذاكر ، أو وجه خطابا بإيجاب الإتيان بتمام الأجزاء مع شرائطه ، ثم وجه خطابا يتضمن الأمر على الناسي بالإتيان بغير المنسي من سائر الأجزاء والشرائط حال نسيانه ، غاية الأمر لا يكون الموضوع في خطاب الأمر بالخالي الأمر به بعنوان الناسي ، بل بعنوان آخر خاص أو عام بحيث لا يشمل الذاكر حال العمل.

أقول : ما ذكر على تقدير تماميته إنما يكون علاجا بالإضافة إلى مقام الإثبات ، وأما في مقام الثبوت فلا بد من تصوير الأمر بتمام الأجزاء والشرائط بالإضافة إلى

٢١

فلو لا مثل حديث الرفع مطلقا ولا تعاد في الصلاة لحكم عقلا بلزوم إعادة ما أخل بجزئه أو شرطه نسيانا ، كما هو الحال فيما ثبت شرعا جزئيته أو شرطيته مطلقا نصا أو إجماعا.

______________________________________________________

الذاكرين ، بأن يكون في حق كل واحد من الذاكرين وجوب يتعلق بتمام الأجزاء والشرائط ، ووجوب آخر بالإضافة إلى كل من الأفراد الناسين يتعلق الوجوب بغير منسيه من الأجزاء والشرائط حال العمل ، حيث إن المفروض أن الواجب في حق كل من الذاكرين والناسين ارتباطي يتعلق ذلك الوجوب الواحد بتمام العمل الواجب في حقه ثبوتا ، وما ذكر الماتن قدس‌سره من الوجهين راجع إلى تصحيح مقام الإثبات وهو فرع إمكان ثبوت تكليف آخر للناسي ثبوتا غير التكليف في حق الذاكر اللهم إلّا أن يقال إنه يمكن أن يلاحظ الشارع الصلاة بتمام أجزائها وشرائطها ثم يوجبها كذلك على من يتمكن من الاتيان بها كذلك في كل جزء من أجزاء الوقت المضروب لوجوبها ، وأما من يتمكن من الأجزاء الرئيسية كالأركان ولو في بعض الوقت فيجب عليه على نحو التخيير بين الإتيان بالصلاة بتمام أجزائها وشرائطها في وقت التمكن منها ، وبين الإتيان بالأجزاء الرئيسة مع ما يتمكن منه من سائر الأجزاء حال عدم تمكنه من جميعها ، وهذا العنوان يشمل الناسي أيضا كسائر أفراد العاجز ، غاية الأمر لا يكون الأمر بهذا العنوان داعيا للناسي إلى العمل إلّا بنحو الخطأ في التطبيق بأن يرى الناسي نفسه أنه يأتي بالعمل بداعوية الأمر المتعلق بالصلاة بتمامها على المتمكن منها بتمامها ، ولا يضر هذا التخلف والخطأ في صحة جعل الوجوب كما ذكر ، حيث يمكن كونه داعيا لغير المتمكن إذا كان عدم تمكنه من غير ناحية النسيان ، أو كان لنسيان نفس ما يطلق عليه الجزء أو الشرط ، كما إذا نسي المكلف نفس السورة بعد الحمد مع التفاته بأن قراءتها جزء من الصلاة بحيث لو كان عنده المصحف وكان

٢٢

ثم لا يذهب عليك أنه كما يمكن رفع الجزئية أو الشرطية في هذا الحال بمثل حديث الرفع ، كذلك يمكن تخصيصهما بهذا الحال بحسب الأدلة الاجتهادية ، كما إذا وجه الخطاب على نحو يعم الذاكر والناسي بالخالي عما شك في دخله مطلقا ،

______________________________________________________

عارفا بالكتابة لقرأها في المصحف في صلاته ، وإنما لا يلتفت إلى نسيانه فيما كان منشأ تركه الجزء أو الشرط نسيان الجزئية أو الشرطية حال العمل أو بعده أيضا ، والمقدار المذكور من إمكان الداعوية في حق غير المتمكن كاف في جعل الوجوب التخييري المذكور ، وإذا شك في كون الجزئية أو الشرطية في شيء مطلقة أو ساقطة حال النسيان عن الجزئية والشرطية ، فمقتضى البراءة عن الوجوب التعييني المتعلق بالعمل الواجد به ، مقتضاه جواز الاقتصار على المأتي به حال النسيان.

وبتعبير آخر يدور الأمر في المقام بين كون التكليف تعيينيا أو تخييريا ، ومقتضى أصالة البراءة عدم التعيين ، وبهذا يظهر أنه لا مجال في المقام لأصالة الاشتغال أو استصحاب بقاء التكليف بعد احتمال كون الوجوب في حق من يكون ناسيا للجزء أو الشرط في بعض الوقت تكليفا تخييريا ، نعم لو لم يمكن التكليف التخييري فرضا بل ثبوت الجزئية أو الشرطية لشيء ملازما للاطلاق في الجزئية والشرطية كان مقتضى الأصل في عدم جعل المسقط للتكليف لزوم الإعادة في الوقت ، فإن تركها يجب القضاء ، بخلاف ما لم يتذكر إلّا بعد خروج الوقت ، وكان لفائته قضاء ، حيث لا يجب القضاء لعدم إحراز فوت الواجب لكون ما أتى به حال النسيان مسقطا ووافيا بالملاك ، حيث إن الاستصحاب في عدم كونه مسقطا لا يثبت الفوت الموضوع لوجوب القضاء.

في أن مقتضى أصالة البراءة عدم إطلاق جزئية الشيء أو شرطيته

ينبغي التنبه في المقام لأمر وهو أن ما ذكرناه من أن مقتضى الأصل العملي فيما

٢٣

وقد دلّ دليل آخر على دخله في حق الذاكر ، أو وجه إلى الناسي خطاب يخصه بوجوب الخالي بعنوان آخر عام أو خاص ، لا بعنوان الناسي كي يلزم استحالة إيجاب ذلك عليه بهذا العنوان ، لخروجه عنه بتوجيه الخطاب إليه لا محالة ، كما توهم لذلك استحالة تخصيص الجزئية أو الشرطية بحال الذكر وإيجاب العمل الخالي عن المنسي على الناسي ، فلا تغفل.

______________________________________________________

إذا شك في أصل جزئية شيء أو شرطيته أو فيما إذا شك في إطلاق الجزئية أو الشرطية يكون مقتضى الأصل هو عدم الاشتراط وعدم الجزئية أو عدم إطلاقهما يختص بأجزاء المأمور به وشرائطه ، وأما إذا كان الشك في جزئية شيء أو شرطيته في المعاملة فلا مجرى لأصالة البراءة في شيء منها ، بل يكون مقتضى الأصل بطلانها بدونه ؛ لأنّ أدلة الإمضاء انحلالية يحرز ثبوت الإمضاء في المعاملة الواجدة لذلك القيد المحتمل وثبوت الإمضاء في غيره مشكوك ، فالأصل عدمها بخلاف التكليف المتعلق بالكل أو المشروط ، فإنّه مع ثبوت جزء أو شرط فيه يكون مقتضى حديث الرفع عدم الاحتياط فيه.

في الشك في مانعية الزيادة في الجزء والشرط

ذكر الماتن قدس‌سره أنه إذا شك في اعتبار عدم زيادة الجزء في متعلق الأمر سواء كان المحتمل أخذ عدم الزيادة في متعلق الأمر جزءا أو شرطا يكون المقام من صغريات دوران أمر الواجب الارتباطي بين الأقل والأكثر ، ومقتضى حكم العقل بالاشتغال ، وإن كان ترك الزيادة لإحراز سقوط التكليف المعلوم بالإجمال على ما تقدم من عدم انحلال العلم الإجمالي في دوران الأمر الواجب الارتباطي بينهما ، إلّا أن مقتضى حديث «رفع ما لا يعلمون» عدم لزوم الاحتياط بترك زيادة الجزء بل يجوز الاتيان بالمأمور به معها ، وحيث إن في اعتبار عدم زيادة الجزء خفاء ؛ لأنّ جزء متعلق الأمر

٢٤

الثالث : إنه ظهر ـ مما مر ـ حال زيادة الجزء إذا شك في اعتبار عدمها شرطا أو شطرا في الواجب ـ مع عدم اعتباره في جزئيته ، وإلّا لم يكن من زيادته بل من نقصانه ـ وذلك لاندراجه في الشك في دخل شيء فيه جزءا أو شرطا ، فيصح لو أتى به مع الزيادة عمدا تشريعا أو جهلا قصورا أو تقصيرا أو سهوا ، وإن استقل العقل لو لا النقل بلزوم الاحتياط ، لقاعدة الاشتغال.

______________________________________________________

إما أن يكون لا بشرط بالإضافة إلى زيادتها ، أو يكون بشرط لا ، ولو كان الجزء هو لا بشرط بالإضافة إلى زيادة نفسه فلا يكون تكراره من الزيادة ، وإن تكراره وعدمه سيان بالإضافة إلى تحقق ذلك الجزء فلا يخل التكرار ، وإن اخذ بشرط لا بالإضافة إلى تكراره فمع التكرار لا يتحقق الجزء أصلا ، فيكون الإخلال بعدم تحقق الجزء ونقصه ، فأوضح قدس‌سره بأن الجزء المأخوذ في متعلق الأمر يكون لا بشرط ومع ذلك يحتمل اعتبار عدم تكراره في نفس متعلّق الأمر النفسي بنحو لو حصل تكراره حصل جزئه ، ولكن لا يحصل شرط متعلّق الأمر أو جزئه الآخر ؛ لاحتمال اعتبار عدم تكراره في متعلق الأمر النفسي جزءا أو شرطا ، ويترتب على جريان البراءة في ناحية احتمال اعتبار عدم زيادته بأحد النحوين جواز الاتيان بمتعلق الأمر النفسي مع تكراره ، بل يصح العمل حتى فيما كان تكراره بقصد كون الزيادة جزءا من العمل تشريعا أو جهلا قصورا كان أو تقصيرا ، أو مع عدم الالتفات والغفلة ، نعم لو كان متعلق الأمر النفسي عبادة يحكم ببطلانها مع تلك الزيادة فيما إذا لم يكن الأمر النفسي داعيا له إلى العمل لو لا تلك الزيادة ، أما مطلقا أو في صورة عدم دخل تلك الزيادة في متعلق الأمر النفسي واقعا ، وأما لو فرض دخل تلك الزيادة في متعلق الأمر واقعا فرضا فتصح تلك العبادة لعدم قصور في الامتثال في هذا الفرض ، فقوله قدس‌سره : «لعدم قصد الامتثال في هذه الصورة» تعليل لصحة عبادته لو اتفق اعتبار تلك الزيادة واقعا

٢٥

نعم لو كان عبادة وأتى به كذلك ، على نحو لو لم يكن للزائد دخل فيه لما يدعو إليه وجوبه ، لكان باطلا مطلقا أو في صورة عدم دخله فيه ، لعدم قصد الامتثال في هذه الصورة ، مع استقلال العقل بلزوم الإعادة مع اشتباه الحال لقاعدة الاشتغال.

______________________________________________________

المفهوم من قوله : «أو في صورة عدم دخله» واقعا فيكون المتحصّل من كلامه أنه لو كان متعلق الأمر عبادة وكرر فيها الجزء ولم يقصد الامتثال إلّا على فرض تعلق الأمر بها ، كما أتى بها من زيادة الجزء تشريعا أو جهلا أو قصورا يكون العمل المزبور محكوما بالبطلان إما مطلقا أي سواء كان الأمر النفسي في الواقع كما قصده أم لا ، أو يختص البطلان بما إذا كان الأمر النفسي في الواقع متعلقا بالمركب بنحو اللابشرط بالإضافة إلى تلك الزيادة ، ووجه البطلان في هذه الصورة أن الأمر النفسي الواقعي لم يقصد امتثاله ، وما قصد امتثاله من الأمر غير ثابت في الواقع. ويعبّر عن قصده كذلك بتقييد الامتثال ، وأما الصحة فيما كان الأمر الواقعي متعلقا بالمركب مع تلك الزيادة فلعدم قصور في قصد امتثاله ، نعم مع عدم العلم بأخذ الزيادة في متعلق الأمر كذلك وجب إعادة العمل بغير زيادة قصد الجزئية لإحراز امتثال التكليف.

أقول : صحة العمل مع اتفاق اعتبار الزيادة واقعا في متعلق الأمر النفسي تنحصر بما إذا كان حين العمل معتقدا باعتبارها ، وأما مع التشريع وجهله باعتبارها حال العمل فيحكم ببطلانها ، لعدم قصد التقرب بعدم الحسن الفاعلي في العمل فإنه لا يتحقق مع التشريع في أصل العمل ، والحاصل إذا أتى المكلّف بالعبادة بزيادة الجزء وكان قصده موافقة الأمر المتعلق بالمأتي به خاصة مع جزمه أو جهله حال العمل بأن المأتي به زائد عن متعلق الأمر النفسي المتعلق بالعبادة لا يحصل التقرب المعتبر في صحة العمل عبادة ، حتى لو فرض تصادف بنائه الواقع بكون الزائد جزءا

٢٦

وأما لو أتى به على نحو يدعوه إليه على أيّ حال كان صحيحا ، [١] ولو كان مشرعا في دخله الزائد فيه بنحو مع عدم علمه بدخله فان تشريعه في تطبيق المأتي مع المأمور به.

______________________________________________________

أيضا ، فإن القصور في الامتثال لأجل عدم كون العمل بداعوية الأمر بها شرعا ، بل الإتيان بها وقع بداعوية الأمر البنائي المفروض كونه بنحو التشريع ، ولا فرق في عدم جواز التشريع والافتراء بين كون ما نسبه إلى الشارع مع عدم علمه به أو مع اعتقاده بعدمه حقا أو باطلا والمعيار هو النسبة بغير علم.

في مبطلية الزيادة في الصلاة ونحوها

[١] مراده قدس‌سره أنه إذا زاد المكلّف في المأتي به جزءا ، ولكن كان قصده امتثال الأمر المتعلق بالعبادة واقعا ولكن بنى أنه ينطبق على المأتي به بتمامه فيحكم بصحة العمل ؛ لأنّ الداعي إلى الإتيان هو الأمر النفسي الواقعي ، غاية الأمر أنه غير خال من التشريع في تطبيق متعلق ذلك الأمر النفسي على المأتي به ، والتشريع في التطبيق وإن كان غير جائز ، إلّا أنّه لا يوجب بطلان أصل العبادة التي أتى بها بداعوية الأمر الشرعي الواقعي المتعلق بها.

أقول : هذا إذا لم يكن عدم زيادة الجزء مأخوذا في العبادة ، وإلّا يحكم بفسادها ثم لا يخفى أن المركب المفروض في المقام اعتباري فيكون زيادة شيء فيها بعنوان زيادة الجزء بقصد الجزئية فقط ، ولو تكرّر الجزء من المركب لا بقصد الجزئية من ذلك العمل ، بل بقصد كونه عملا آخر فلا يكون ذلك من زيادة الجزء ، وكذا ما إذا كان الزائد من غير جنس الأجزاء ، نعم ربما يرد التعبد بكون نفس الإتيان بشيء عند الاشتغال بالمركب زيادة فيه حتى ما لم يقصد كونه جزءا ، كما في السجود لقراءة آية العزيمة أو لاستماعها ، حيث ورد أن سجودها أثناء الصلاة زيادة في الفريضة

٢٧

.................................................................................................

______________________________________________________

ويتعدى منه إلى الركوع أيضا ، فإنه إذا كان السجود لا للصلاة زيادة ، فلا يحتمل أن يكون الأمر في الركوع على خلاف ذلك ، ويترتب على ذلك عدم جواز إقحام صلاة في صلاة ، ولكن هذا خارج عن زيادة الجزء ، فإن الكلام في المقام في زيادة الجزء في الصلاة وغيرها مع الإغماض عن نظير التعبد في السجود والركوع ، وعلى ذلك فلا ينحصر احتمال مانعية الجزء على ما ذكر الماتن من إمكان كون شيء جزءا للواجب لا بشرط ، ومع ذلك يمكن أخذ عدم تكراره شرطا أو جزءا لنفس المركب ، بل يمكن كون شيء بصرف وجوده جزءا للمركب ويكون المركب أيضا لا بشرط بالإضافة إلى تكراره ، ولكن إذا كان تكراره بقصد كون المكرر أيضا جزءا من المركب تصدق على تكراره كذلك زيادة الجزء ، ومثلها ما لو كان الزائد من غير جنس الأجزاء وقصد كونه من الأجزاء ، وعلى ذلك كلما صح العمل من جهة قصد التقرب المعتبر فيه ولم يؤخذ عدم الزيادة أو عدم التكرار قيدا للعمل يحكم بصحته ، بخلاف ما إذا أخذ عدم الزيادة قيدا كما في الصلاة والطواف ونحوهما ، فإنه يحكم بالبطلان على تفصيل مذكور في الفقه ، وملخصه على نحو الإجمال أنه لا ينبغي التأمل في أن الزيادة عمدا إذا كانت قبل إتمام الصلاة توجب بطلانها مطلقا ، سواء كان الزائد من الأركان أو من غيرها ، مع كون غير الأركان بقصد كونه جزءا من الصلاة أخذا بقوله عليه‌السلام : «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» (١) فإن هذا كأدلّة سائر الأجزاء والشرائط والموانع ناظر إلى بيان مانعية الزيادة ، بخلاف حديث لا تعاد فإنه ناظر إلى تحديد اعتبار الأجزاء من حيث الجزئية وشرطية الشرائط ومانعية الموانع ، ولكن الحديث

__________________

(١) وسائل الشيعة ٨ : ٢٣١ ، الباب ١٩ من أبواب الخلل الواقع في الصلاة ، الحديث ٢.

٢٨

.................................................................................................

______________________________________________________

لا يشمل صورة الإخلال بالجزء والشرط والمانع عمدا ؛ لأنّ العامد حين العمل مكلف بالإتيان بالعمل وترك الزيادة وعدم الإخلال في العمل ، وكذا لا يشمل صورة الإخلال بالجزء أو الشرط أو المانع حال العمل مع جهله تقصيرا ، فإنه لو أخذ بحديث «لا تعاد» في صورة الجهل تقصيرا يلزم حمل أدلة الأجزاء والشرائط مما يكون لسانها إيجاب الإعادة مع الإخلال على صورة الإخلال مع العلم والعمد ، وهذا من قبيل حمل تلك الخطابات على الفرد النادر من مدلولاتها وعلى ذلك فالداخل في مدلول حديث لا تعاد صورة الإخلال عن نسيان أو عن جهل قصورا ونحوهما ، ومقتضاه أن الإخلال كذلك لا يوجب بطلان الصلاة في غير الأركان ويوجبه إذا كان الإخلال بها سواء كان الإخلال بالزيادة أو بالنقيصة وعدم تصوير الزيادة في بعض المذكورات في المستثنى لا يوجب اختصاص الحكم في المستثنى والمستثنى منه بصورة الإخلال بالنقيصة ، ونظائر ذلك في الخطابات كثيرة ، ثم حديث «لا تعاد» حاكم على تمام ما دل على اعتبار شيء في الصلاة جزءا أو شرطا أو مانعا حتى بالإضافة إلى قوله عليه‌السلام «من زاد في صلاته فعليه الإعادة» ومقتضى حكومته عليه أن الزيادة إذا كانت في مثل الركوع والسجدتين معا تبطل الصلاة حتى فيما كانت الزيادة سهويا ، وأما في غيرهما مما يدخل تحت المستثنى فلا تبطل الصلاة فيما كانت الزيادة عن عذر وغفلة فلا تلاحظ النسبة بين الحديث وقوله عليه‌السلام من زاد في صلاته فعليه الإعادة ، أو من استيقن أنه زاد في صلاته فعليه الإعادة ؛ لأنّ حديث «لا تعاد» حاكم بالإضافة إليهما.

لا يقال : قوله عليه‌السلام : «من زاد في صلاته فعليه الاعادة» ، أو من استيقن انه زاد في صلاته فعليه الاعادة ، مع حديث «لا تعاد» بلسان واحد واختلافهما بالنفي والإثبات

٢٩

وهو لا ينافي قصده الامتثال والتقرب به على كل حال.

ثم إنه ربما تمسك لصحة ما أتى به مع الزيادة باستصحاب الصحة [١] وهو

______________________________________________________

فكيف يكون حديث «لا تعاد» حاكما عليهما.

فإنه يقال : الأمر بالإعادة قد يقع في بيان أصل الجزئية أو الشرطية أو المانعية ، وربما يقع أو ينفي الإعادة بعد فرض ثبوت أصل الجزئية والشرطية والمانعية فيكون حاكما على ما ورد في مقام بيان أصل الجزئية والشرطية والمانعية ، فيفيد الأمر بالإعادة إطلاقها ونفي الإعادة انحصار الجزئية والشرطية والمانعية بغير صورة نفي الإعادة كما هو الحال بالإضافة إلى حديث «لا تعاد».

التمسك باستصحاب الصحة عند الشك في مانعية الزيادة

[١] ذكر الشيخ قدس‌سره أنه قد يتمسك في إثبات عدم مانعية زيادة الجزء في المركب سواء كان الزائد من مثل أجزائه أو غيرها بالاستصحاب في صحة الأجزاء السابقة بعد تحقق الزائد ، وردّه بأن المستصحب إن كان الصحة الفعليّة فهذه لا يحصل إلّا بعد الإتيان بمتعلق الأمر بتمامه ، ومع الإتيان ببعضه لم تكن حاصلا حتى يستصحب بعد الإتيان بما يحتمل كونه زيادة مانعة ، وإن كان المستصحب صحة الأجزاء السابقة بمعنى كونها موافقة للأمر الغيري أو الضمني المتعلق بها المعبر عن ذلك بالصحة التأهليّة والشأنيّة ، وهي كون الأجزاء بحيث لو انضم إليها سائر الأجزاء بشرائطها حصل متعلّق التكليف ، فهذه الصحة مقطوع بقاؤها ، ولكن لا يفيد العلم ببقائها حصول سائر الأجزاء بشرائطها التي يحتمل كون عدم الزيادة منها ، واستشكل العراقي قدس‌سره بأن ما ذكر من عدم الحالة السابقة للصحة الفعلية مبني على كون تلك الصحة تحدث دفعة بحصول الجزء الأخير من المركّب ، وأما إذا كان حصولها كحصول المركّب تدريجيا في مراتبها بحيث تحصل مرتبتها الأخيرة بتمام

٣٠

.................................................................................................

______________________________________________________

العمل ، فحصولها ببعض مراتبها كاف في استصحابها نظير الاستصحاب في بقاء سائر الامور التدريجية.

ومما ذكر يظهر أنه لو كان المراد من الصحة موافقة الأمر فهي أيضا قابلة للاستصحاب ؛ لأنّ موافقة الأمر بالكلّ وإن تحصل تمامها بتمام العمل ، إلّا أن الإتيان بالمركب تدريجي فتكون موافقة الأمر بها تدريجيا وتكون فعلية الأمر بالجزء اللاحق عند الفراغ عن الجزء السابق ، وعلى ذلك يشك في بقاء تلك الموافقة الفعلية التي كانت قبل الإتيان بالزيادة المحتملة مانعيتها.

أقول : لا يخفى ما فيه ، فإنه قد تقدم في تصوير زيادة الجزء واعتبار عدمها ، بأنّ زيادته ومانعيتها بأخذ عدمها في المركب الذي هو عين الأجزاء خارجا ، فعدمه على تقدير اعتبار عدم زيادته مأخوذ في ناحية الأجزاء بأسرها ، وعليه فلا يمكن إثبات صحة المركب مع تلك الزيادة المحتملة اعتبار عدمها بالاستصحاب في صحة الأجزاء السابقة ؛ لأنّ المتيقن حصوله بالإتيان ببعض الأجزاء هي الصحة المهملة أي المردّدة بين كونها صحة فعلية كما إذا لم تكن عدم زيادة الجزء مأخوذا في المركب أو تعليقية ، كما إذا كان عدم تلك الزيادة قيدا للمركب المفروض كونه عين الأجزاء السابقة مع اللاحقة ، والاستصحاب في الصحة المهملة لا يفيد الموافقة الفعلية اللازم إحرازها عقلا بعد تنجز التكليف ، نعم لو جرت أصالة البراءة في ناحية عدم تعلّق التكليف بالمركب المأخوذ فيه عدم الزيادة تحرز الموافقة الفعلية اللازمة بعد بيان الشارع عدم لزوم الاحتياط من ناحية احتمال اعتبار عدم الزيادة ، كما هو مفاد حديث الرفع عند دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر ومع إحرازها لا موضوع للاستصحاب ولا حاجة إليه.

٣١

.................................................................................................

______________________________________________________

والعجب أنه قدس‌سره أورد على نفسه بأن الصحة بالمعنى المذكور غير داخل في الحكم الشرعي ، بل حكم عقلي فكيف يستصحب؟ وأجاب بأن الصحة قابلة للتعبد حيث إن منشأها أمر الشارع وتكليفه ، ووجه العجب أنه إذا كان المنشأ أمر الشارع وتكليفه وجرى الأصل في نفس التكليف يعنى تعلقه بالأكثر فلا يبقى في الناشئ عنه شك ، ليكون مورد الاستصحاب.

وقد يقال : في المقام أنه لو أتى المكلّف بالزيادة المحتمل مانعيتها أو ترك المشكوك في شرطيته ، يكون مقتضى العلم الإجمالي بوجوب إتمام المأتي به أو وجوب إعادته الجمع بين الاتمام والإعادة ؛ لأنّ هذا العلم الإجمالي متعلق بالمتباينين لا بوجوب الأقل أو الأكثر ، ولكن هذا أيضا غير صحيح ؛ لأنه لا يحرم القطع في غير صلاة الفريضة من الواجبات ، وليس الكلام في المقام منحصرا على صلاة الفريضة ، وثانيا : أن مقتضى جريان البراءة في التكليف بالأكثر ينفي العقاب على ترك الأكثر ، فكيف يجب إعادة العمل مع أن المكلف لا يعاقب على تركه من ناحية الجزء أو القيد المحتمل.

التمسك باستصحاب الصحة في موارد الشك في القاطعية

ثم إن الشيخ قدس‌سره قد فصّل في استصحاب الصحة بين موارد الشك في مانعية الشيء ، وموارد الشك في القاطعية ، إذ إن التعبير عن وقوع شيء أثناء العمل بالقاطعية ظاهره اعتبار الهيئة الاتصالية بين أجزائه كما في القهقهة أثناء الصلاة ، أو البكاء لامور الدنيا ، إذ بوقوع أحدهما أثناء الصلاة تنقطع الهيئة الاتصالية المعتبرة بين أجزائها كالفصل الطويل بين أجزائها التي تنتفي به تلك الهيئة الاتصالية وجدانا ،

٣٢

الرابع : أنّه لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة ، ودار الأمر بين أن يكون جزءا أو شرطا مطلقا [١] ، ولو في حال العجز عنه.

______________________________________________________

ففيما شك في كون شيء قاطعا للعمل ومزيلا لتلك الهيئة المعتبرة فلا بأس بالاستصحاب في بقائها ، حيث يمكن أن تخرج الأجزاء السابقة بحصول ذلك الشيء عن قابليتها للحوق الأجزاء اللاحقة ، وهذا بخلاف موارد الشك في مانعية الشيء ، فإن الاستصحاب في بقاء صحة الأجزاء السابقة لا يفيد شيئا في إحراز الصحة الفعلية.

أقول : لا يخفى ما فيه فإن كون شيء قاطعا أو مانعا في الحقيقة اختلاف في التعبير وإلّا لا يكون الشيء مبطلا للعمل إلّا ويؤخذ عدمه فيه عند الأمر به ، وإلّا كيف يكون الشيء قاطعا مع عدم أخذ عدمه فيه ، أو اعتبار الموالاة بين أجزائه. وعلى ذلك فلو جرت أصالة البراءة عن تعلق الأمر بالأكثر يعنى بما هو مقيد بعدم المشكوك فلا يبقى شك في إجزاء المأتي به ولو كان هو الأقل فتدبّر.

لو علم بجزئية شيء أو شرطيته في الجملة

[١] قد تقدم أن الشك في إطلاق جزئية الجزء أو إطلاق شرطية الشرط يلاحظ تارة بالإضافة إلى حال الذكر والنسيان واخرى بالإضافة إلى حال التمكن منهما وحال العجز منهما ، وإذا علم جزئية الشيء أو شرطيته لمتعلق الأمر ودار بين كونه جزءا أو شرطا حتى في حال عدم التمكن منه بأن يكون الأمر بالكل أو المشروط ساقطا مع عدم التمكن منه من غير أن يتعلق بالباقي أو ذات المشروط وجوب ، وبين كونه جزءا أو شرطا حال التمكن منه ومقتضاه تعلق الأمر مع عدم التمكن منه بالباقي أو بنفس المشروط ، فإن وصلت النوبة إلى الأصل العملي ، كما إذا لم يكن للخطاب الدالّ على اعتباره جزءا أو شرطا إطلاق يقتضي اعتباره مطلقا ، ولم يكن أيضا في ناحية الأمر بذلك المركب أو المشروط إطلاق يقتضي عدم اعتبار المشكوك جزءا أو شرطا فيه ،

٣٣

وبين أن يكون جزءا أو شرطا في خصوص حال التمكن منه ، فيسقط الأمر بالعجز عنه على الأول ، لعدم القدرة حينئذ على المأمور به ، لا على الثاني فيبقى متعلقا بالباقي ، ولم يكن هناك ما يعين أحد الأمرين ، من إطلاق دليل اعتباره

______________________________________________________

حيث إنه لو كان لدليل اعتبار الجزء أو الشرط إطلاق يقتضي عدم تحقق المركب أو نفس المشروط بدونه يؤخذ به ، ويحكم بسقوط الأمر النفسي مع عدم التمكن منه ، فإن تقديم خطاب الجزء على إطلاق خطاب الأمر النفسي من قبيل رفع اليد عن إطلاق المتعلق بالخطاب الدالّ على القيد له ، هذا مع الإطلاق في الخطاب الدال على الأمر النفسي ، ومع عدم الإطلاق له بأن يكون مجملا كما في الأمر بالعبادات على القول الصحيحي أو مهملا كما في أكثر خطاباتها بناء على الأعمي ، فالأمر أوضح ، وكذا إذا لم يكن في الدليل الدالّ على جزئية الشيء أو شرطيته إطلاق ، وكان في ناحية الخطاب الدال على الأمر النفسي بالمركب إطلاق ، حيث يدفع به اعتبار جزئية غير المقدور أو شرطيته عند الاضطرار إلى تركه فيثبت بالإطلاق المزبور الأمر بالباقي وذات المشروط ، وإذا لم يكن إطلاق في شيء من ناحية الأمر النفسي بالمركب ولا من ناحية الدليل الدال على الجزئية أو شرطية الشيء له ، ووصلت النوبة إلى الأصل العملي تجري أصالة البراءة عن وجوب الباقي ، وذات المشروط هذا مع استيعاب العجز جميع الوقت ، ولا يقاس المقام بدوران الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، حيث تقدم في دوران الأمر بينهما جريان البراءة عن وجوب الأكثر من غير معارضتها بالبراءة عن وجوب الأقل ، وذلك فإن التكليف في تلك المسألة كان معلوما بالإجمال ، بخلاف هذه المسألة حيث يحتمل عدم التكليف رأسا بعد تعذر الجزء أو الشرط ، نعم إذا كان العجز غير مستوعب للوقت فيبقى الأمر بالكل والمشروط بحاله لتمكن المكلف من صرف وجوده ولو في آخر الوقت ، نعم

٣٤

جزءا أو شرطا ، أو إطلاق دليل المأمور به مع إجمال دليل اعتباره أو إهماله ، لاستقل العقل بالبراءة عن الباقي ، فإن العقاب على تركه بلا بيان والمؤاخذة عليه بلا برهان.

لا يقال : نعم ، ولكن قضية مثل حديث الرفع عدم الجزئية أو الشرطية إلّا في حال التمكن منه [١].

______________________________________________________

لو لو يكن لدليل الجزء أو الشرط إطلاق بحيث يحتمل إجزاء الفاقد للجزء أو الشرط في فترة عدم التمكن بأن يسقط اعتبار الجزء أو الشرط المتعذر في تلك الفترة ، فيدور الأمر بين كون الواجب التام تعيينيا إلى آخر الوقت أو تخييريا في تلك الفترة بين الناقص فيها وبين الاتيان بالتام في غيرها ولو في آخر الوقت ، وقد تقدم أن مقتضى البراءة عن الوجوب التعييني كفاية الفاقد.

[١] لا يخفى أنه لا مجال في المقام لهذا الكلام ، حيث إنه مع استيعاب عدم التمكن من الجزء أو الشرط لا علم بثبوت أصل التكليف في الوقت ، بخلاف مسألة دوران أمر الواجب بين الأقل والأكثر الارتباطيين ، ومع عدم إحراز أصل التكليف يرجع فيه إلى البراءة ، ومع عدم استيعاب عدم التمكن لجميع الوقت يكون أصل التكليف محرزا فتجري البراءة عن وجوب الأكثر تعيينيا ، ونتيجة ذلك كفاية الفاقد في فترة عدم التمكن من الجزء أو الشرط على ما تقدم.

وما ذكر الماتن في المقام من أنه لا مجال في المقام للرجوع إلى رفع الجزئية والشرطية إلّا في حال التمكن منه ؛ لأنه ورد في مقام الامتنان فيختص بما يوجب نفي التكليف لا إثباته لا يخفى ما فيه ، فإن حديث الرفع لا يثبت التكليف في موارد الشك حتى مع قطع النظر عن كونه واردا مقام الامتثال ، سواء كان المراد فقرة «رفع ما لا يعلمون» أو فقرة «ما اضطروا إليه» أما فقرة «ما لا يعلمون» فان «ما لا يعلمون» مع

٣٥

فإنه يقال : إنه لا مجال هاهنا لمثله ، بداهة أنه ورد في مقام الامتنان ، فيختص بما يوجب نفي التكليف لا إثباته.

نعم ربما يقال : بأن قضية الاستصحاب في بعض الصور وجوب الباقي في حال التعذر أيضا [١].

______________________________________________________

استيعاب عدم التمكن نفس التكليف بالباقي ، ومع عدم الاستيعاب أصل التكليف معلوم بالوجدان.

وبتعبير آخر الرفع فيما لا يعلمون رفع ظاهري في مقابل الوضع الظاهري والرفع الظاهري لجزئية المشكوك عبارة عن عدم إيجاب الاحتياط فيه ، ونفيه فرع ثبوت أصل التكليف ، وأما فقرة رفع الاضطرار فهو رفع واقعي إذا كان الاضطرار مستوعبا لجميع الوقت ويكون مقتضاه انتفاء أصل الأمر بالكل ، والأمر بالباقي يحتاج إلى الدليل ، ومع عدم استيعاب الاضطرار لا تجري فقرة رفع الاضطرار أصلا كما لا يخفى.

[١] يمكن أن يراد من بعض الصور ما إذا كان المكلّف متمكنا على التام في الأول ثم طرأ العجز عن بعض الأجزاء مما يشك في جزئيته مطلقا أو في خصوص حال التمكن ، بأن يقال في الفرض : إن كل واحد من الأجزاء كان على الوجوب الضمني قبل طرو العجز ، ويحتمل بقاء كل منها على الوجوب الضمني أيضا لعدم إطلاق لما دل على جزئية المتعذر حال تعذره.

وفيه أن الوجوب الضمني الثابت لكل منها في الأول متيقن الارتفاع بارتفاع الوجوب المتعلق بالكل المتعذر بعض اجزائه ولو ثبت بعده وجوب ضمني لكل من الأجزاء المقدورة ، كان هذا في ضمن وجوب استقلالي متعلق بالباقي الميسور من الكل ، فيدخل الاستصحاب في الوجوب الضمني لكل منها في الاستصحاب الكلي

٣٦

.................................................................................................

______________________________________________________

من القسم الثالث ، حيث إن المستصحب طبيعي الوجوب الضمني لكل من الأجزاء لا شخص الوجوب الضمني الثابت في الأول فإنه مقطوع الارتفاع ، أضف إلى ذلك أن الاستصحاب المذكور من الاستصحاب في الشبهة الحكميّة ولا اعتبار به على ما تقرر في محله.

ومما ذكرنا يظهر الحال في الاستصحاب في الوجوب الاستقلالي الثابت سابقا ، حيث يقال : يحتمل بقاؤه ولو لتعلق الوجوب بقاء بالباقي ، ووجه الظهور أن المستصحب وهو طبيعي الوجوب الاستقلالي والفرد المتيقن السابق قد ارتفع بتعذر الجزء ، ويشك في حدوث فرد آخر عند طرو العجز على بعض الأجزاء ، ويحتمل أن يكون المراد من بعض الصور طرو العجز بالجزء أو الشرط بحيث لم يكن التعذر مقوما للعنوان المتعلق به الوجوب عرفا ، بأن يصح أن يقال بنظرهم الوجوب مع بقائه هو نفس ذلك الوجوب ونفس ذلك الواجب ، فيكون الاستصحاب في الشخص حيث يتسامح العرف في تعيين الموضوع.

أقول : يمكن أن يقال مع الغمض عن كون الاستصحاب في الشبهة الحكمية إن تسامح العرف محرز في ناحية الموضوع لا في ناحية متعلق التكليف ، مثلا إذا حكم الشارع على الماء الكر المتغير بالنجاسة ، فالعرف يرى أن الموضوع للنجاسة نفس الماء وأن تغيره سبب للحكم عليه بالنجاسة ، وبعد زوال التغير من قبل نفسه يشك في بقاء تلك النجاسة الثابتة من قبل ، بخلاف المتعلق فهو يرى متعلق الطلب السابق من المأمور به الاختياري ، والمطلوب عند الاضطرار المأمور به الاضطراري ، وأن متعلق تكليف المتمكن غير متعلق تكليف العاجز ، وهذا بناء على أن الصلاة أو نحوها عنوان للمركب أو المشروط ظاهر ، وأما بناء على أنها بسائط ينطبق عليها

٣٧

ولكنه لا يكاد يصح إلّا بناء على صحة القسم الثالث من استصحاب الكلي ، أو على المسامحة في تعيين الموضوع في الاستصحاب ، وكان ما تعذر مما يسامح به عرفا ، بحيث يصدق مع تعذره بقاء الوجوب لو قيل بوجوب الباقي ، وارتفاعه لو قيل بعدم وجوبه ، ويأتي تحقيق الكلام فيه في غير المقام.

كما أن وجوب الباقي في الجملة ربما قيل بكونه مقتضى ما يستفاد من

______________________________________________________

بلحاظ الأثر وتختلف مصاديق ذلك العنوان بحسب الحالات فإنه وإن يمكن الاستصحاب في وجوبها ، إلّا أنه لا يثبت اعتبار الفاقد مصداقا ، بل عدم اعتباره مصداقا يكون حاكما ، ولا أقل من كونه معارضا في الاستصحاب في وجوبها.

ثم إنه كما ذكرنا يختص هذا الاستصحاب في ناحية التكليف بما إذا كان المكلف متمكنا من التام في أول الوقت ، وأما إذا كان التعذر مقارنا لدخول الوقت أو قبله فلا مورد للاستصحاب أيضا ، ولكن المحكي عن النائيني قدس‌سره الالتزام بجريان الاستصحاب ، ولو كان العجز عن الأول بدعوى أن جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية غير موقوف على فعلية الموضوع خارجا ، فإن إجرائه في الشبهات الحكمية وظيفة المجتهد ، ومن ثم يتمسك الفقيه بالاستصحاب في حرمة وطء الحائض بعد انقطاع الدم وقبل اغتسالها ، وفيه أن الاستصحاب في الشبهات الحكمية يتوقف على فرض فعليتها قبل زمان الشك حتى يجري الاستصحاب فيه بلحاظ ذلك الزمان ، وكون الاستصحاب في الشبهة الحكمية وظيفة المجتهد لا ينافي أن يفرض الفعلية في التكليف المتوجه إلى الغير حتى يمكن الاستصحاب في ذلك التكليف في حقه ، نعم في موارد الشك في بقاء جعل الحكم لاحتمال فسخه لا يحتاج إلى فرض الفعلية في الحكم المجعول ، ولكن هذا أجنبي عن مورد الكلام فإن المقام عند الشك في كون جزئية شيء أو شرطيته مطلقة ، أم أنها مختصة بحال التمكن.

٣٨

قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم» [١].

______________________________________________________

في قاعدة الميسور

[١] كان ما تقدم بحسب الأصل العملي عند الشك في إطلاق جزئية الشيء أو شرطيته أو اختصاصهما بحال التمكن منه ، ولكن قد يقال في البين بعض الروايات يستفاد منها قاعدة كلية ، وهي انتقال الوظيفة إلى الإتيان بالمقدار المتمكن من الواجب في أي مورد فيما إذا عد ذلك المقدار ميسورا فيؤخذ بتلك القاعدة ، إلّا إذا قام الدليل في مورد على خلافها ، ويعبّر عن تلك القاعدة بقاعدة الميسور ، ويذكر في المدرك لها ثلاث روايات.

الاولى : ما روى عن أبي هريرة بطرق العامة قال : «خطبنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال أيها الناس إن الله عزوجل قد فرض عليكم الحج فحجوا ، فقال رجل : أكلّ عام يا رسول الله؟ فسكت صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى قالها ثلاثا ، فقال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : لو قلت نعم لوجب ، ولما استطعتم ثم قال : ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ، فإذا امرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه» (١) ، ونقل في المتن ما يختلف عما نقلناه في الجملة ، وكيف كان فالرواية ضعيفة سندا ، وقد تصدى بعض لإثبات أن الراوي من المتعمدين في الكذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وقد نقل هذه الرواية عن كتاب عوالي اللآلي ، وقد ناقش فيه وفي مؤلفه من ليس عادته القدح في كتب الاخبار كصاحب الحدائق قدس‌سره فلا مجال في المقام لدعوى انجبار ضعفها بعمل الأصحاب ، فإنه كما ياتي لم يعلم عمل بعض الأصحاب بها فضلا عن عمل المشهور.

أضف إلى ذلك أنها في صحيح النسائي مروية بوجه آخر ، وهو قوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : «فإذا

__________________

(١) مسند أحمد ٢ : ٥٠٨ ، والسنن الكبرى ٤ : ٣٢٦.

٣٩

وقوله : الميسور لا يسقط بالمعسور (١) وقوله : ما لا يدرك كله لا يترك كله (٢) ودلالة الأول مبنية على كون كلمة (من) تبعيضية ، لا بيانية ، ولا بمعنى الباء ، وظهورها في التبعيض وإن كان مما لا يكاد يخفى ، إلّا أن كونه بحسب الأجزاء غير واضح ، لاحتمال أن يكون بلحاظ الأفراد ، ولو سلم فلا محيص عن أنه ـ هاهنا ـ بهذا اللحاظ يراد ، حيث ورد جوابا عن السؤال عن تكرار الحجّ بعد أمره به ، فقد روي أنه خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال : (إن الله كتب عليكم الحجّ ، فقام عكاشة

______________________________________________________

أمرتكم بشيء فخذوا به ما استطعتم ، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه» ولفظة (ما) بحسب هذا النقل زمانية فيكون مدلولها كون المكلف مأخوذا بالأمر بالشيء زمان تمكّنه منه ، ومع الإغماض عن ذلك وسندها لا دلالة لها على قاعدة الميسور ، لا لأن لفظة (من) بمعنى الباء أو بيانية كما قيل ، فإن ظهورها حيث ما تطلق في كونها تبعيضية مما لا ينكر ، ولكن يقال كون التبعيض بحسب الأجزاء غير ظاهر ، بل الظاهر بمناسبة المورد كونه بحسب الأفراد ، فمدلولها أن الحكم الثابت للعام والطبيعي لا يسقط بعدم التمكن من سائر الأفراد ، بل يبقى مع التمكن في بعض أفراده بحاله ، وهذا الميسور ، ولكن لا يخفى كما أن التبعيض بحسب الأجزاء لا يناسب مورد الخبر كذلك التبعيض بحسب الأفراد ، فإنه لا يجب الحج إلّا مرة واحدة حتى فيما إذا كان المكلف مستطيعا في السنوات المتوالية ، بل الظاهر من الخبر على تقدير صحته كون المراد بالاستطاعة ما يتحمله نوع الناس كلفة التكليف بنحو لا يكون شاقا لنوعهم بقرينة قوله «ولو قلت نعم لوجب» ، و «ما استطعتم» فإنه لو كان بمعنى العجز فكيف يجب على مكلف يعجز عن الإتيان بمتعلق التكليف.

__________________

(١) عوالى اللآلي ٤ : ٥٨.

(٢) عوالى اللآلي ٤ : ٥٨.

٤٠